ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد بن جارية (1) الثقفي من المشركين، وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسلما مهاجرا فقال (له صلى الله عليه وآله وسلم): (مسعر حرب لو كان معه أحد) ثم قال: (شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت).
فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين، حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين رجلا راكبا أسلموا فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون، لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه، وقالوا: من خرج منا إليك فأمسكه غير حرج أنت فيه. فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية (2) أن طاعة رسول الله خير أمم فيما أحبوا وفيما كرهوا.
وكان أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما هم الذين مر بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم وأخذوا ما معهم ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته وكان أذن لها حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو العاص هو