وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته، لا يمر بحي من أحياء للأنصار إلا وثبوا في وجهه وأخذوا بزمام ناقته وتطلبوا إليه أن ينزل عليهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة) حتى مر ببني سالم.
وكان خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبا يوم الجمعة، فوافى بني سالم عند زوال الشمس فتعرضت له بنو سالم فقالوا: يا رسول الله هلم إلى الجد والجلد والحلفة والمنعة.
فبركت ناقته عند مسجدهم، وقد كانوا بنوا مسجدا قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنزل عليه وآله السلام في مسجدهم وصلى بهم الظهر وخطبهم، وكان أول مسجد صلى فيه بالجمعة، وصلى إلى بيت المقدس، وكان الذين صلوا معه في ذلك الوقت مائة رجل.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته وأرخى زمامها، فانتهى إلى عبد الله بن أبي، فوقف عليه وهو يقدر أنه يعرض عليه النزول عنده، فقال له عبد الله بن أبي - بعد أن ثارت الغبرة وأخذ كمه ووضعه على أنفه -: يا هذا اذهب إلى الذين غروك وخدعوك وأتوا بك فأنزل عليهم ولا تغشنا في ديارنا. فسلط الله على دور بني الحبلى الذر (1). فخرق دورهم فصار وانزالا على غيرهم، وكان جد عبد الله بن أبي يقال له: ابن الحبلى.
فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شئ، فإنا كنا اجتمعنا على أن نملكه علينا وهو يرى الآن أنك قد سلبته أمرا قد كان أشرف عليه، فأنزل علي يا رسول الله، فإنه ليس في الخزرج ولا في الأوس أكثر فم بئر مني، ونحن أهل الجلد والعز، فلا تجزنا يا رسول الله.