صلى الله عليه وآله وسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني، أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا اتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟ ثم أخذ القطن من اذنيه ورمى به وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنعم صباحا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه إليه، وقال: (قد أبد لنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحية أهل الجنة السلام عليكم).
فقال له أسعد: إن عهدك بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمد؟
قال: (إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأدعوكم إلى أن لا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون).
فلما سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعز منك، ومعي رجل من قومي، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك، والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك، ويبشروننا بمخرجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.