الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٥٤
أثر مقتل هذه المرأة في نفس أبي بلال مرداس تأثيرا بالغا أبلغ من مقتل أخيه وكان قد شهد مقتلها. لقد طفح الكيل. ولم يعد له قبل بمشاهدة هذا الذي يحدث. فخرج في أربعين رجلا إلى الأهواز سنة 60 ه‍. لأنه رأى أنه لا حق له أن يعيش بعد في البصرة تحت هذا السلطان. لم يتعرض لاحد بسوء ولم ينل من الخراج إلا ما يحق له أن يعيش منه هو وأهله. لم يعتد. بل دافع عن نفسه ضد المعتدين وبنجاح يثير الدهشة. ففي آسك. وهو موضع يقع بين رامهرمز وأرجان قاتل الأربعون رجلا الذين معه جيشا مؤلفا من ألفي رجل حتى اضطروهم إلى الفرار بعد أن قتلوا فيهم قتلا كثيرا. ثم انهزم أمام جيش كبير بقيادة عباد بن الأخضر التميمي حمل عليها أبو بلال وأصحابه وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم. (ورجع عباد بن الأخضر وذلك الجيش الذي كان معه إلى البصرة. وأقبل عبيدة بن هلال معه ثلاثة نفر هو رابعهم. فرصد عباد بن الأخضر فأقبل (عباد بن الأخضر) يريد قصر الامارة وهو مردف ابنا له غلاما صغيرا. فقالوا: يا عبد الله! قف حتى نستفتيك! فوقف. فقالوا: (نحن إخوة أربعة قتل أخونا فما ترى؟) قال:
استعدوا الأمير!) قالوا: (قد استعديناه فلم يعدنا). قال: (فاقتلوه! قتله الله!) فوثبوا عليه فحكموا وألقى ابنه فقتلوه) (الطبري 2 / 391) وكان الأربعة من الخوارج (1).
ولقد أثار استشهاد أبي بلال أبلغ الحفيظة في نفوسهم لم يستطيعوا أو يفعلوا شيئا في البصرة طالما كان أبو عبيدة وطيد المكانة في ولايته. وإنما تغير الموقف حينما شاع الاضطراب بعد وفاة يزيد الأول ابن معاوية. ويصف ذلك أبو مخنف - كما نقله الطبري (2 / 153. 520) فيقول: إن عبيد الله بن زياد استطاع أن يوفر لأهل البصرة الامن (2). وهربا من اشتداد عبيد الله توجه الخوارج بعد قتل أبي بلال

(1) الطبري (2 / 187 390) ابن الأثير (3 / 428 وما يليها) و (الكامل) (ص / 585 وما يليها) ويقال: إن ابن زياد قال (الكامل) (ص / 604 س 2) إنه كلما قتل منهم أحد غدروا بمن أمرته بقتله. وقد أورد (الكامل) أسماء مشاهير خوارج البصرة كما وردت أسماؤهم أيضا في ابن الأثير (3 / 428) ضمن أبيات.
(2) ألقي بالخوارج في السجن وراح يمن على أهل البصرة بصنيعه هذا ويطالبهم بشكره عليه (الطبري 2 / 433).
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست