الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٥٣
ليزور أهله (فإذا طلع الفجر أتاه حتى يدخل السجن. وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد. فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم إذا أصبح. فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس فأخبرهم وقال: (أرسلوا إلى أبي بلال في السجن فليعهد فإنه مقتول). فسمع ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع. فلما كان الوقت الذي يرجع فيه إذا به (أي مرداس) قد طلع (أي أقبل إلى السجن). فقال له السجان: (هل بلغك ما عزم عليه الأمير؟) قال: (نعم) قال: (ثم غدوت (أي عدت إلى السجن))؟ قال: (نعم لم يكن جزاؤك مع إحسانك أن تعاقب بسببي) - وأصبح عبيد الله فجعل يقتل الخوارج. ثم دعا بمرداس فلما حضر وثب السجان - وكان ظئرا لعبيد الله - فأخذ يقدمه ثم قال: (هب لي هذا!) وقص عليه قصته. فوهبه له وأطلقه بينما قتل الآخرين. هكذا يروي عمر بن شبة - حسبما نقله الطبري (2 / 186 وما يليها) - هذه القصة المشهورة. وفيها بحسب هذه الرواية ما يعد مفخرة لعبيد الله بن زياد ولذا جرى فيها قلم التعديل بما صاغها على هذا النحو.
أما أخو بلال مرداس ونعني به عروة بن أدية الذي كان أول من دعا إلى التحكيم في صفين قبل ذلك بعشرين سنة فلم يكن مصيره ذلك المصير اللين الرحيم. كانت ثمت رهان حضره عبيد الله بن زياد وجلس ينتظر الخيل فكسب عروة بن أدية ووجد أن هذه فرصة سانحة ليبرز أمام عبيد الله ويذكره بأنه ارتكب خمسة آثام كبيرة. ففهم الأمير (ابن زياد) من كلام عروة أن ذلك بدء فتنة فقام وترك رهانه وركب. وأدرك عروة خطورة ما فاه به فتوارى. ولكن اكتشف مكانه فأخذ بالكوفة (فقدم به على ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه. ثم دعا به فقال: (كيف ترى؟) قال: (أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك).
فقتله وأرسل إلى ابنته فقتلها) (1). ولقى هذا المصير نفسه امرأة شديدة الحماسة تدعى (البجاء) (2). كانت تخطب خطبا نارية مثيرة ضد عبيد الله وطغيانه.
فأنذرها وحذرها من شر زياد فلم تستتر منه حتى لا تجر السوء على غيرها.
فقبضوا عليها وقتلوها في سوق البصرة (3).

(1) الطبري (2 / 185 وما يليها) عن وهب بن جرير الذي ألف كتابا عن بعض الخوارج (الأغاني) (1 / 11 س 28).
(2) كذا في ابن الأثير (3 / 428) أما في (الكامل) فسمها: (البلجاء).
(3) أورد (الكامل) قصة شبيهة بهذه (ص / 602 ص 15) (ص / 604 س 7).
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست