الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٥٨
كان يحبذ (الاستعراض) تلك العادة القديمة عند خوارج البصرة وطبق مبدأ الانفصال عن (الجماعة) على الأسرة والوراثة وأخضع (المهاجرة) - أي المنضمين حديثا إلى رأي الخوارج - لامتحان قاس ولم يعترف ب‍ (التقية) أعني بالانضمام إلى رأي الخوارج خوفا منهم دون إيمان باطن صادق (1). أما أصحاب الفرق الخارجية الأخرى فكانوا في هذه المسائل أكثر لينا ومرونة على درجات متفاوتة فيما بينهم لا يمكن تحديدها بالدقة. والفارق الرئيسي هو أنهم كانوا يجوزون التستر في بعض الأحيان وعدم خوض القتال باستمرار ضد (الجماعة). ولكن حيث ينشب القتال ويشتركون فيه كانوا يظهرون من الجرأة وعدم الاحتياط ما لا يقل عما كانت تفعله الأزارقة.
4 - خوارج النجدات:
وقد انتشرت الفرق الخارجية المضادة لفرقة الأزارقة من البصرة إلى سائر مواطن الخوارج في دار الاسلام. وكانت هناك فرقة من الخوارج غير هذه كلها لا تذكر كثير نظرا لقصر عمرها ولانحصارها في بيئة صغيرة ونعني بها فرقة (النجدات) التي كانت تقيم في اليمامة من أرض البصرة. كان رجالها من بني بكر ومن الفلاحين العتاة من بني حنيفة منهم بخاصة. وسموا بذلك نسبة إلى نجدة بن عامر الحنفي الخارجي. وهو وحده لا أحد غيره الذي سمح بأن يساعد الخوارج ابن الزبير في مكة (الطبري 2 / 401 وما يليها ص / 425 س 14). ولما رفع الحصار عن مكة لم يلحق بأولئك الذين قفلوا راجعين إلى اليمامة بل لحق بابن الأزرق - وهما ينتسبان إلى قبيلة واحدة - وذهبا معا إلى البصرة في سنة 64 ه‍.
ثم ما لبث أن انفصل عنه لخلاف بينهما ولأنه - فيما يلوح - توارى في ظله. فعاد إلى اليمامة. ولدينا روايتان عن نشاطه هناك تتفقان فيما بينهما (2) وترجعان في جوهريهما إلى ما رواه المدائني: وإحدى الروايتين مفصلة وردت في الكتاب المجهول

(١) في رواية الكتاب المجهول المؤلف الذي نشره ألفرت يرد حديث عن هذه المبادئ التي قال بها ابن الأزرق وموقف نجدة منها. ويمكن استخلاص معنى (التقية) (لا (الثقية) كما في النص) مما ورد في ذلك الكتاب (ص / 142 س 4).
(2) راجع الكتاب المجهول المؤلف (ص / 139 س 5) وقارنه بما في ابن الأثير (168 ص 18) وما يليه.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست