الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٥٢
البصرة في سنة 55 ه‍. بدأ بمهادنتهم وأطلق سراحهم من السجن (1). فلما لم يفلح هذا معهم فكر في اتخاذ طريقة أخرى. ذلك أنه ضم إلى جانبه جماعة منهم برئاسة رجل يدعى جدار ثم ترك أفرادهم يقاتل بعضهم بعضا فمن ظفر بأخيه فاز بالحرية. ومن بين أولئك الذين قتلوا إخوانهم وفازوا بالحرية كان طواف العبد قيسي. فعنف من كان معه في معسكر واحد تعنيفا شديدا بسبب مسلكهم هذا.
فراحوا يكفرون عن جريمتهم بكفارة فعالة فعرضوا الدية على أولياء القتلى أولا ثم عرضوا دماءهم من بعد. ولكن سدى. فقرروا - عملا بالآية 111 من سورة (النحل) - أن يكفروا عما أتوا بالقيام بحركة عنيفة جديدة واستئناف القتال ضد عبيد الله (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون). كانوا سبعين رجلا كلهم من بني عبد القيس اضطروا إلى التبكير بالهجوم لان أمرهم اكتشف. فذبحهم حراس عبيد الله وكانوا من أهل بخارى وذلك في عيد الفطر من سنة 58 ه‍ (2) (أي 27 يوليو سنة 678).
وظل عبيد الله يتعقب الخوارج بشدة عظيمة فحبس من بدا له أنه خطر ولمجرد الاشتباه في أمره وهذا شئ لم يفعله أبوه (الكامل) (ص / 594). وكان أبرز الخوارج في البصرة أبو بلال مرداس بن أدية التميمي المذكور آنفا. أنكر اشتراك النساء في الحروب (3) كما أنكر (الاستعراض) وهو قتل كل مسلم لا يرى رأي الخوارج بغير تمييز متى وجدوه في طريقهم. قام عبيد الله فحبس أبا بلال هذا مع غيره من الخوارج. ولكنه استطاع أن ينال الاذن من السجان في أن ينصرف في الليل

(١) (الكامل) (ص / ٥٩٤) وعكس هذا ورد في رواية أخرى غير صحيحة راجع الفرث (٧٩: ٦). (الكامل) (ص / ٦١٠ س ١).
(٢) ابن الأثير (٣ / ٤٢٧).
(٣) كانت حماسة نساء الخوارج في القتال أمرا مشهودا ومن المشهورات بذلك منهن أم حكيم التي قاتلت في صفوف قطري بن الفجاءة. وطلبت الشهادة في الجهاد (الأغاني) (6 / 6 وما يليها).
أحمل رأسا قد سئمت حمله * وقد مللت دهنه وغسله ألا فتى يحمل عني ثقله؟!
وقد حاول عبيد الله بن زياد عبثا أن يبرد من حماسة النساء لطلب الشهادة في القتال بأن يعرض جثثهن عارية (الكامل) (582).
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست