الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٥٧
(الطبري ص / 1897 س 20) بيد أنه لم يفسر لنا كيف نشأ الخلاف بين الخوارج كذلك لم تدلنا المصادر الأخرى على ذلك مثل (الكامل) (ص / 604 س 7 - س 12) بل تظهر الفرق الأربع في لحظة معلومة حاضرة كلها كاملة التكوين والمتأخرون من مؤرخي علم الكلام سينظرون إليها على أنها فرق كلامية. وفي رواية أبي مخنف وكذلك عند المدائني (في (الكامل) وفي نشرة ألفرت للكتاب المجهول المؤلف) تظهر معارضة مشتركة للثلاثة الآخرين ضد نافع بن الأزرق حتى إن غلو ابن الأزرق وربما أيضا الحسد منه كانا نقطة ابتداء الخلافات الناشبة بينهم. ويلوح أنه كان ذا تأثير عظيم جدا في عصره وإن لم يبلغ الذروة قبل سنة 64 ه‍ ثم انقضى في سنة 65 ه‍. والذي حرضه على الخروج كان - فيما يروي (الكامل) ص / 604 وما يليها - أبو الرواغ الراسبي فقد نعا عليه أن لسانه صارم وقلبه كليل. وود لو أن صرامة لسان نافع كانت لقلبه وكلال قلبه كان للسانه فسمع له نافع واستبدل بلسانه صارما وحتى يدله أبو الرواغ على ما يجب عليه مضى أبو الرواغ (فاشترى سيفا وأتى صيقلا - كان يذم الخوارج ويدل على عوراتهم - فشاوره في السيف فحمده فقال: استحذه! فشحذه حتى إذا رضيه حكم وخبط به الصيقل وحمل علي الناس فتهاربوا منه) (9 - س 11) إلى أن وصل إلى حي بني يشكر فجند له رجل ولكن كرهت بنو يشكر أن يدفن في مقبرتهم (خوفا أن تجعل الخوارج قبره مهاجرا) (الكامل) (ص / 605 س 12 - س 13) إن هذا المثل جعل من نافع (1) بن الأزرق (خارجيا) أو (شاريا) بدلا من (قاعد).
فمنذ ذلك الحين أصبح المبدأ الأسمى عنده هو أنه لا يجوز المقام بين أظهر المشركين بل يجب الذهاب إلى (دار الهجرة) وقتالهم وبيع أنفسهم لله. وبسبب هذا كان الخلاف بينه وبين من بقي في البصرة: هم أيضا يريدون الخروج ولكن في الوقت المناسب لا في وقت غير مناسب. فالخلاف كان يدور إذن حول مسألة الفرصة المناسبة ولم يكن أمرا جديدا عليهم فمن جماعة القاعدين كانت تنفصل دائما فئة قليلة من الفعالين فمن خلل الرماد المنطوي على الحطب الساخن كان يبرز وميض نار من حين إلى حين. ولكنه هذه المرة برز بكل وضوح. وكان ثمت في هذا الصدد خلافات مشابهة كان موقف نافع بن الأزرق فيها موقف المتشدد المغالي.

(1) [المترجم: ورد في النص هنا خطأ: (ابن نافع)].
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست