الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٤٩
فقد (مشى كل واحد منهما إلى صاحبه: بيد المستورد الرمح وبيد معقل السيف فالتقيا فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أم الدماغ فخرا ميتين). الطبري (2 / 61) وأما عبد الله بن عقبة الذي عرفناه من قبل رسولا إلى سماك فقد نجا بجواده إلى الكوفة وجاء هناك بأول نبأ عن نتيجة هذه المعركة وكان جزاؤه عن هذا أن عفى عنه. ولو جاء الخوارج كلهم إلى المغيرة لكان قد عفا عنهم أيضا.
ولزم خوارج الكوفة الهدوء سنوات طوالا إلى أن انتخبوا لهم خليفة جديدا.
وانتخاب خليفة جديد كان معناه دائما استئناف الكفاح ضد (الجماعة). وأبو مخنف ينقل هنا أيضا عن عبد الله بن عقبة الغنوي. وكان قيام الخوارج هذه المرة في سنة (58 / 59) إبان إمارة ابن أم الحكم الثقفي على الكوفة والذين قاموا بها لا يمكن أن يكونوا من بين أولئك الذين اشتركوا في مغامرة المستورد لان هؤلاء كانوا في أعماق السجون. والذي حدث هو أن الخوارج أحسوا بالندم على سكوتهم والله قد منحهم القلب والجوارح لانكار الجور وجهاد الظلمة ولا عذر لهم إلا بالاستشهاد. وبايعوا حيان بن ظبيان السلمي وكان أول من بايعه زميله القديم معاذ ابن جوين الطائي الذي اقترح على القوم أن يسيروا إلى حلوان فينزلوها وهناك يجمعون كل من كان على رأيهم من أهل المصر والغثر والجبال والسواد بين الكوفة والري (1). فقال له حيان: إنهم لن يتركوا لكم الوقت بل يعاجلونكم لهذا أرى (أن أخرج معكم في جانب الكوفة والسبخة أو زرارة والحيرة ثم نقاتلهم حتى نلحق بربنا. فإني والله لقد علمت أنكم لا تقدرون وأنتم دون المائة رجل أن تهزموا عدوكم ولا أن تشتد نكايتكم فيهم. ولكن متى علم الله أنكم قد أجهدتم أنفسكم في جهاد عدوه وعدوكم كان لكم به العذر وخرجتم من الاثم) الطبري (2 / 182 - 183). ولكنهم ردوا عليه بأن هذا لا يجدي بل يفيد العدو فيتخلص منهم وثبت حيان على رأيه ولم يشأ الباقون أن يعارضوه. بيد أنهم رأوا ألا يقوموا بالقتال في الكوفة خوفا من أن يرجمهم النساء والأطفال بالحجارة من فوق سقوف المنازل بل ساروا إلى بانيقا على مسافة قريبة واستقبلوا القوم بوجوههم وجعلوا

(1) كانت هذه المدينة على حدود أرض الكوفة.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست