الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٤٨
تنح بنا فلنكن قريبا منهم حتى يقوم علينا صاحبنا. فتنحينا (1) وذلك عند المساء) الطبري (2 / 46). ثم حدثت عند غروب الشمس وقعة عظيمة اضطر معها الخوارج إلى الاحتماء ببيوت مذار ولما سمع الخوارج أن مددا يبلغ ثلاثة آلاف من شيعة البصرة قد أقبل إلى جيش معقل وأكثرهم من قبيلة ربيعة وعلى رأسهم شريك بن الأعور الحارثي (2) وأن هذا المدد صار قريبا كل القرب فمضوا في الليل لا يشعر بهم أحد على طريق منعزل حتى عادوا إلى أرض الكوفة وبلغوا جرجرايا فنزلوها وكانوا واثقين أن أهل البصرة لا يمكن أن يلحقوا بهم إلى هناك وصدق ظنهم لان أهل البصرة أبوا اللحوق بهم في أرض الكوفة وقالوا: (لا نفعل.
إنما أقبلنا نحوهم لننفيهم عن أرضنا ونمنعهم من دخولها فإن كفانا الله مؤونتهم فإنا منصرفون إلى مصرنا وفي أهل الكوفة ما يمنعون به بلادهم) الطبري (2 / 54) وإلا كان أمرهم كما قال أخو بني كنانة:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت * بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا هناك أرسل معقل أبا الرواغ في ستمائة فارس ليكونوا في إثرهم حتى نزلوا جرجرايا وكان أبو الرواغ في المقدمة. ورأى الخوارج أنه لا قبل لهم بجيش أبي الرواغ فانصرفوا حتى نزلوا ساباط (3) وانتهوا إلى جسر نهر الملك وهو من جانبه الذي يلي الكوفة وأبو الرواغ وأصحابه مما يلي المدائن. هنالك قرر المستورد خطة مفاجئة. إذ بينما خدع أبا الرواغ اتجه إلى معقل نفسه وقد جاء بجيش الكوفة الرئيسي ونزل ديلمايا وهي تبعد بثلاثة فراسخ عن بهرسير ففوجئ معقل واضطرب جيشه ولم يبق معه إلا قرابة ثلاثمائة رجل جثوا على ركبهم يستقبلون الخوارج بأطراف الرماح وقاوموا مقاومة شديدة مستميتة. وأوشك النصر أن يعقد لواؤه للخوارج لولا أن ظهر أبو الرواغ فجأة وحمل هو وأصحابه على الخوارج من مؤخرتهم. فاحتدم القتال العنيف حتى قتل الخوارج عن آخرهم كلهم تقريبا بعد أن كبدوا العدو ثمنا فادحا عن حياتهم. أما معقل بن قيس والمستورد بن علفة

(1) طلب إليه أن يعترف بالهزيمة وإخلاء الميدان فإن الله لا يستحي من الحق لم يشأ الاعتراف بالحق.
(2) وكان من الشيعة المتحمسين راجع الطبري (1 / 3427 2 / 196 2 / 241 - 240).
(3) مثل بهرسير: إحدى المدن المواجهة للمدائن (طيشفون).
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست