الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٤٦
والبراءة من عثمان وعلي لاحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب. فإن تقبل فقد أدركت رشدك وإلا تقبل فقد أبلغنا في الاعذار إليك. وقد آذناك بحرب فنبذنا إليك على سواء الطبري (2 / 40 - 41). وكان على عبد الله بن عقبة الغنوي أن يحمل هذا الكتاب إلى سماك. وكان مطلبا شاقا على نفسه إذ كان فتى حدثا لم يجرب الأمور فقال للمستورد: (أصلحك الله! لو أمرتني أن أستعرض دجلة فألقي نفسي فيها ما عصيتك. ولكن تأمن علي سماكا أن يتعلق بي فيحبسني عنك. فإذا أنا قد فاتني ما أترجاه من الجهاد! فتبسم وقال: يا ابن أخي! إنما أنت رسول والرسول لا يعرض له. ولو خشيت ذلك عليك لم أبعثك وما أنت على نفسك بأشفق مني عليك. قال: فخرجت حتى عبرت إليهم من معبر فأتيت سماك بن عبيد وإذا الناس حوله كثير. قال: فلما أقبلت نحوهم أبدوني أبصارهم. فلما دنوت معهم ابتدرني نحو من عشرة وظننت والله أن القوم يريدون أخذي وأن الامر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي فانتضيت سيفي وقلت: كلا!
والذي نفسي بيده لا تصلون إلي حتى أعذر إلى الله فيكم. قالوا لي: يا عبد الله!
من أنت؟ قلت: أنا رسول أمير المؤمنين المستورد بن علفة. قالوا: فلم انتضيت سيفك؟ قلت: لابتداركم إلي فخفت أن توثقوني وتغدروا بي. قالوا: فأنت آمن وإنما أتيناك لنقوم إلى جنبك ونمسك بقائم سيفك وننظر ما جئت له وما تسأل.
قال: فقلت لهم: لست آمنا حتى تردوني إلى أصحابي. قالوا: بلى! فشمت سيفي ثم أتيت حتى قمت على رأس سماك بن عبيد وأصحابه قد التفوا حولي فمنهم ممسك بقائم سيفي ومنهم ممسك بعضدي. فدفعت إليه كتاب صاحبي فلما قرأه رفع رأسه إلي فقال: ما كان المستورد عندي خليقا - لما كانت أرى من إخبائه وتواضعه - أن يخرج على المسلمين بسيفه يعرض على المستورد البراءة من علي وعثمان ويدعوني إلى ولايته فبئس والله الشيخ أنا إذا. قال: ثم نظر إلي فقال: يا بني! اذهب إلى صاحبك فقل له: اتق الله وارجع عن رأيك وادخل في جماعة المسلمين. فإن أردت أن أكتب لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت فإنك ستجده سريعا إلى الاصلاح محبا للعافية. قال: قلت له: - وإن لي فيهم (أي الخوارج) يومئذ بصيرة (أي ثقة وإيمانا بهم): هيهات! إنما طلبنا بهذا الامر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الامن عند الله يوم القيامة. فقال لي: بؤسا له!
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست