كيف أرحمك! ثم قال لأصحابه: إنهم خلوا بهذا ثم جعلوا يقرأون عليه القرآن ويتخضعون ويتباكون. فظن بهذا أنهم على شئ من الحق. إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا! والله ما رأيت قوما كانوا أظهر ضلالة ولا أبين شؤما من هؤلاء الذين ترون. قلت: إني لم آتك لأشاتمك ولا أسمع حديثك وحديث أصحابك.
حدثني أنت: تجيبني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فأرجع إلى صاحبي؟
فنظر إلي ثم قال لأصحابه. ألا تعجبون إلى هذا الصبي! والله إني لأراني أكبر من أبيه وهو يقول لي: أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب! انطلق يا بني إلى صاحبك إنما تندم. لو قد اكتنفتكم الخيل وأشرعت في صدوركم الرماح - هناك تتمنى لو كنت في بيت أمك! قال: فانصرفت من عنده فعبرت إلى أصحابي. فلما دنوت من صاحبي قال: ما رد عليك؟ قلت: ما رد خيرا! قلت له كذا وقال لي كذا - فقصصت عليه القصة) - الطبري (2 / 41 34).
ووجدت المستورد أن منازلة أهل الكوفة ونيل الشهادة أكرم له لأن هذه الحياة الدنيا لا تساوى عنده قبال نعله. لكنه فضل أن يرهق الأعداء المغيرين ويفرق شملهم وذلك بالارتحال عنهم حتى يخرجوا في طلبهم فيقطعوا ويتبددوا. فخرج في أصحابه ومضوا على شاطئ دجلة حتى انتهوا إلى جرجرايا وعبروا دجلة ومضوا في أرض جوخى حتى بلغوا المذار وكان يتبع منطقة البصرة (1). ومر أهل الكوفة بسورا فمكثوا بها يوما ثم ارتحلوا ونزلوا كوثى فأقاموا بها يوما ومن ثم مضوا حتى جاءوا إلى بهرسير ولكن خاب ظنهم إذ كان الخوارج قد ارتحلوا وتبين لهم أنه لا مفر لهم من الاستمرار في هذه المطاردة المضنية. ثم أرسل قائدهم معقل بن قيس أبا الرواغ الشاكري في ثلاثمائة فارس فاتبع آثارهم وخرج معقل في أثره ولم يزل هذا دأبهم حتى لحقوا بالخوارج في المذار مقيمين. فلما دنا أبو الرواغ منهم (استشار أصحابه في لقائهم وقاتلهم قبل قدوم معقل عليه) فاختلف رأي أصحابه فقال أبو الرواغ: (إن معقل بن قيس حين سرحني أمامه أمرني أن أتبع آثارهم. فإذا لحقتهم لم أعجل إلى قتالهم حتى يأتيني... فقال له جميع أصحابه: فالرأي الآن بين: