شئ ثم في الفوق فلا يوجد شئ: سبق الفرث والدم (1)). وطبيعي أن هذه القصة عن هذا السلف القديم للخوارج قصة أسطورية. وما يعنيني هنا قبل كل شئ هو نقد الخوارج الصارم. فالتشدد في مبادئ الاسلام يفضي بهم إلى أن يتجاوزوا بنقدهم إلى النبي نفسه صلى الله عليه وسلم.
ومذهب الخوارج مذهب سياسي هدفه تقرير الأمور العامة وفقا لأوامر الله ونواهيه. بيد أن سياستهم ليست موجهة نحو أهداف يمكن تحقيقها فضلا عن أنها منافية للمدنية: لتكن عدالة ولو فنيت الدنيا بأسرها! وهو أمر لم يكونوا يجهلونه.
إذ لم يكونوا يعتقدن انتصار مبادئهم على الأرض. وإنما يرضون أن يموتوا مجاهدين. إنهم يبيعون حياتهم ويحملون أنفسهم إلى سوق ثمن أرواحهم فيه هو الجنة (2). والأساس الذي يستند إليه هذا التشدد في التقوى هو الايمان الحق بأن الدنيا عبث وأن بقاءها قصير وأن يوم الساعة قريب. وهم إذن يبذلون كل طاقة عسكرية من أجل تحقيق سياسة خلو من كل سياسة وابتغاء الفوز بالجنة.