العير أحب إليهم وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت سار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا، فأمطر الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل كذا، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمد نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، [وميكائيل في خمسمائة مجنبة] (1)، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم، فقال الشيطان للمشركين (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) (2)، فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره.
ورفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس - لعنه الله - فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة!! لم تزعم أنك جار لنا؟ (وقال إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) (2)، وذلك حين رأى الملائكة.
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال:
وحدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله ابن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، فذكر الحديث في يوم بدر إلى أن قال: فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في العريش هو وأبو بكر رضي الله عنه ما معهما غيرهما، وقد تدانى القوم بعضهم من بعض، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يناشد ربه ما وعده من