فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا فقال عاصم:
أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا رسولك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أو نار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أو الغدر فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة [بعد بدر] (1) فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات (2) الحارث يستحد بها فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لافعل ذلك إن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمرة، وانه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله. فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال: دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت. فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو. ثم قال: اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا. ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع قال: ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشئ من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شئ (3). وقال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابر بن عبد الله يقول: الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة قلت واسمه عقبة بن الحارث وقد أسلم بعد ذلك وله حديث في الرضاع وقد قيل: إن أبا سروعة وعقبة إخوان. فالله أعلم.
هكذا ساق البخاري في كتاب المغازي من صحيحه قصة الرجيع ورواه أيضا في التوحيد وفي