لبعض وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة له شهباء فاستقبل الصفوف فأمرهم وحضهم على القتال، وبشرهم بالفتح - إن صبروا - فبينما هم كذلك إذ حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد، فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين، فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة رجل، قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال ابشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الاعراب، فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الاعراب، وغضب صفوان لذلك. قال عروة:
وبعث صفوان غلاما له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب.
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوه يقول " اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا " ونادى أصحابه وزمرهم (1) " يا أصحاب البيعة يوم الحديبية! الله الله الكرة على نبيكم " ويقال حرضهم فقال " يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج يا أصحاب سورة البقرة " وأمر من أصحابه من ينادي بذلك، قالوا: وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال " شاهت الوجوه " وأقبل أصحابه إليه سراعا يبتدرون، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الآن حمي الوطيس " فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم منها واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم (2)، وفر مالك بن عوف، حتى دخل حصن الطائف هو وأناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وإعزازه دينه (3). رواه البيهقي: وقال ابن وهب: أخبرني يونس عن الزهري أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب، قال: قال العباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان ابن الحارث لا نفارقه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى الناس ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي عباس ناد أصحاب السمرة " قال فوالله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه يا لبيكاه، قال فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الأنصار وهم يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى