وهو المحفوظ وهذا التواضع في هذا الموطن عند دخوله صلى الله عليه وسلم مكة في مثل هذا الجيش الكثيف العرمرم بخلاف ما اعتمده سفهاء بني إسرائيل حين أمروا أن يدخلوا باب بيت المقدس وهم سجود - أي ركع - يقولون حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعرة. وقال البخاري: ثنا القاسم بن خارجة، ثنا حفص بن ميسرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء التي بأعلا مكة، تابعه أبو أسامة ووهب في كداء. حدثنا عبيد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من أعلا مكة من كداء وهو أصح إن أراد أن المرسل أصبح من المسند المتقدم انتظم الكلام، والا فكداء بالمد هي المذكورة في الروايتين وهي في أعلا مكة وكدى مقصور في أسفل مكة وهذا هو المشهور والأنسب. وقد تقدم أنه عليه السلام بعث خالد بن الوليد من أعلا مكة ودخل هو عليه السلام من أسفلها من كدى وهو في صحيح البخاري والله أعلم. وقد قال البيهقي: أنبأ أبو الحسن (1) بن عبد ان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبد الله بن إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا معن، ثنا عبد الله بن عمر بن حفص (2)، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وأتى النساء يلطمن وجوه الخيل [بالخمر] (3) فتبسم إلى أبي بكر وقال: " يا أبا بكر كيف قال حسان؟ " فأنشده أبو بكر رضي الله عنه:
عدمت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كتفي كداء ينازعن الأعنة مسرجات * يلطمهن بالخمر النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ادخلوها من حيث قال حسان ". وقال محمد بن إسحاق:
حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية اظهري بي على أبي قبيس، قالت وقد كف بصره، قالت فأشرفت به عليه، فقال: أي بنية ماذا ترين؟ قالت أرى سوادا مجتمعا قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلا ومدبرا، قال: أي بنية ذلك الوازع - يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها - ثم قالت: قد والله انتشر السواد، فقال: قد والله إذن دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي فانحطت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، قال: وفي عنق الجارية طوق من ورق (4) فيلقاها رجل فيقتطعه من عنقها،