الصلاة والسلام " ما أدري أنا بأيهما أسر، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر " وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه، وقال له يوم خرجوا من عمرة القضية " أشبهت خلقي وخلقي " فيقال إنه حجل عند ذلك فرحا كما تقدم في موضعه ولله الحمد والمنة. ولما بعثه إلى مؤتة جعل في الامرة مصليا - أي نائبا - لزيد بن حارثة، ولما قتل وجدوا فيه بضعا وتسعين (1) ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر، وكانت قد طعنت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك للواء فلما فقدهما احتضنه حتى قتل وهو كذلك. فيقال إن رجلا من الروم ضربه بسيف فقطعه باثنتين رضي الله عن جعفر ولعن قاتله، وقد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد، فهو ممن يقطع له بالجنة. وجاء بالأحاديث تسميته بذي الجناحين. وروى البخاري عن ابن عمر، أنه كان إذا سلم على ابنه عبد الله بن جعفر يقول: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، وبعضهم يرويه عن عمر بن الخطاب نفسه، والصحيح ما في الصحيح عن ابن عمر.
قالوا: لان الله تعالى عوضه عن يديه بجناحين في الجنة وقد تقدم بعض ما روى في ذلك. قال الحافظ أبو عيسى الترمذي: حدثنا علي بن حجر، ثنا عبد الله بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم " رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة " وتقدم في حديث أنه رضي الله عنه قتل وعمره ثلاث وثلاثين سنة. وقال ابن الأثير في الغابة كان عمره يوم قتل إحدى وأربعين، قال وقيل غير ذلك.
قلت: وعلى ما قيل إنه كان أسن من علي بعشر سنين يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لان عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وهاجر وعمره إحدى وعشرين سنة، ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة والله أعلم. وقد كان يقال لجعفر بعد قتله الطيار لما ذكرنا، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان لكرمه يقال له أبا المساكين لاحسانه إليهم. قال الإمام أحمد: وحدثنا عفان بن وهيب، ثنا خالد، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب وهذا إسناد جيد إلى أبي هريرة وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه،