رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أواسط أيام التشريق، حين أراد الله بهم من كرامته والنصر لنبيه واعزاز الاسلام وأهله [وإذلال الشرك وأهله]. فحدثني معبد بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله بن كعب - وكان من أعلم الأنصار - حدثه أن أباه كعبا حدثه - وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها -. قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور (1) سيدنا وكبيرنا، فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا والله ما أدري أتوا فقونني عليه أم لا؟ قلنا وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر - يعني الكعبة - وأن أصلي إليها. قال: فقلنا والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن خالفه. فقال: إني لمصل إليها، قال فقلنا له: لكنا لا نفعل. قال:
فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة حتى قدمنا مكة. [قال: وقد كنا قد عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك. فلما قدمنا مكة] قال لي يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه قد وقع في نفسي منه شئ. لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك - فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل تعرفانه؟ فقلنا لا، فقال هل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قال: قلنا نعم! وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس، قال: فدخلنا المسجد وإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: " هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ " قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر؟ قال: نعم! فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا قد هداني الله تعالى للاسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شئ فماذا ترى؟ قال: " قد كنت على قبلة لو صبرت عليها " قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معنا إلى الشام، قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا نحن أعلم به منهم.
قال كعب بن مالك: ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق، فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من سادتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا،