هذا حديث غريب جدا كتبناه لما فيه من دلائل النبوة ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم وفصاحة العرب وقد ورد هذا من طريق أخرى وفيه أنهم لما تحاربوا هم وفارس والتقوا معهم قراقر - مكان قريب من الفرات - جعلوا شعارهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم فنصروا على فارس بذلك، وقد دخلوا بعد ذلك في الاسلام.
وقال الواقدي: أخبرنا عبد الله بن وابصة العبسي عن أبيه عن جده قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منازلنا بمنى ونحن نازلون بإزاء الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف وهو على راحلته مردفا خلفه زيد بن حارثة، فدعانا فوالله ما استجبنا له ولا خير لنا، قال وقد كنا سمعنا به وبدعائه في المواسم، فوقف علينا يدعونا فلم نستجب له، وكان معنا ميسرة بن مسروق العبسي.
فقال لنا: أحلف بالله لو قد صدقنا هذا الرجل وحملناه حتى نحل به وسط بلادنا لكان الرأي.
فأحلف بالله ليظهرن أمره حتى يبلغ كل مبلغ. فقال القوم دعنا منك لا تعرضنا لما لا قبل لنا به.
وطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميسرة فكلمه فقال ميسرة: ما أحسن كلامك وأنوره، ولكن قومي يخالفونني وإنما الرجل بقومه فإذا لم يعضدوه فالعدى (1) أبعد. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج القوم صادرين إلى أهليهم. فقال لهم ميسرة: ميلوا نأتي فدك فإن بها يهودا نسائلهم عن هذا الرجل.
فمالوا إلى يهود فاخرجوا سفرا لهم فوضعوه ثم درسوا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي يركب الحمار ويجتزي بالكسرة ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بالجعد ولا بالسبط، وفي عينيه حمرة مشرق اللون. فإن كان هو الذي دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه فإنا نحسده ولا نتبعه، وإنا [منه] في مواطن بلاء عظيم ولا يبقى أحد من العرب إلا اتبعه وإلا قاتله فكونوا ممن يتبعه. فقال ميسرة: يا قوم ألا [إن] هذا الامر بين، فقال القوم نرجع إلى الموسم ونلقاه فرجعوا إلى بلادهم وأبى ذلك عليهم رجالهم فلم يتبعه أحد منهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وحج حجة الوداع لقاه ميسرة فعرفه. فقال: يا رسول الله والله ما زلت حريصا على اتباعك من يوم أنخت بنا حتى كان ما كان وأبى الله إلا ما ترى من تأخر إسلامي، وقد مات عامة النفر الذين كانوا معي فأين مدخلهم يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل من مات على غير دين الاسلام فهو في النار " فقال: الحمد لله الذي أنقذني. فأسلم وحسن إسلامه، وكان له عند أبي بكر مكان.
وقد استقصى الإمام محمد بن عمر الواقدي فقص [خبر] القبائل واحدة واحدة، فذكر عرضه عليه السلام نفسه على بني عامر، وغسان، وبني فزارة، وبني مرة، وبني حنيفة، وبني سليم، وبني عبس، وبني نضر بن هوازن، وبني ثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبني الحارث بن كعب، وبني عذرة، وقيس بن الحطيم وغيرهم. وسياق أخبارها مطولة وقد ذكرنا من ذلك طرفا صالحا ولله الحمد والمنة.