قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال [له] النجاشي: هل معك شئ مما جاء به [عن الله]؟ [وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله] (1). فقال له جعفر! نعم: قال هلم فاتل علي مما جاء به، فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم [حين سمعوا ما تلا عليهم]. ثم قال [لهم]: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا (2). فخرجنا من عنده وكان أتقى (3) الرجلين فينا عبد الله بن [أبي] ربيعة. فقال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما استأصل به خضراءهم (4)، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسى بن مريم عبد. فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحما ولهم حقا. فقال: والله لأفعلن! فلما كان الغد دخل عليه فقال:
أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما، فأرسل إليهم فسلهم عنه. فبعث والله إليهم ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض ماذا تقولون له في عيسى إن هو يسألكم (5) عنه؟ فقالوا: نقول والله الذي قاله الله فيه، والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه فدخلوا عليه وعنده بطارقته فقال ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فدلى النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عودا (6) بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العويد. فتناخرت بطارقته. فقال: وإن تناخرتم والله! اذهبوا فأنتم سيوم في الأرض - السيوم الآمنون في الأرض، ومن سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ثلاثا ما أحب أن لي دبرا وإني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسانهم الذهب. وقال زياد عن ابن إسحاق ما أحب أن لي دبرا من ذهب. قال ابن هشام: ويقال زبرا (7) وهو الجبل بلغتهم. ثم قال النجاشي:
فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه. ردوا عليهما هداياهم فلا حاجة لي بها. وأخرجا من بلادي فخرجا مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.
قالت: فأقمنا مع خير جار في خير دار، فلم نشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في