وأصحابه منها ماء لبدلهم الأرض ولم يمنعهم من السير، وأصاب قريشا منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
قلت وفي هذا قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) [الأنفال: 12] فذكر أنه طهرهم ظاهرا وباطنا، وأنه ثبت أقدامهم وشجع قلوبهم وأذهب عنهم تخذيل الشيطان وتخويفه للنفوس ووسوسته الخواطر، وهذا تثبيت الباطن والظاهر وأنزل النصر عليهم من فوقهم في قوله: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق) [الأنفال: 13] أي على الرؤوس (واضربوا منهم كل بنان) أي لئلا يستمسك منهم السلاح (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار) [الأنفال: 14].
قال ابن جرير: حدثني هارون بن إسحاق ثنا مصعب بن المقدام ثنا إسرائيل ثنا أبو إسحاق عن حارثة عن علي بن أبي طالب. قال: أصابنا من الليل طش من المطر - يعنى الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر - فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني قائما يصلي - وحرض على القتال. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي (1). قال: ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وسيأتي هذا الحديث مطولا. ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة به (2): وقال مجاهد: أنزل عليهم المطر فأطفأ به الغبار وتلبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم.
قلت: وكانت ليلة بدر ليلة الجمعة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثنتين من الهجرة، وقد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة هناك، ويكثر في سجوده أن يقول " يا حي يا قيوم " يكرر ذلك ويلظ به عليه السلام.
قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر نزل به. قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح. قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر