كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره كما قال (فما له من قوة ولا ناصر) [الطارق: 10] ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار وإهلاك النفس والأهل والعقار ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا الله تعالى الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون ولهذا قالوا (لولا أن من الله علينا لخسف بنا وبك انه لا يفلح الكافرون) وقد تكلمنا على لفظ ويك في التفسير وقد قال قتادة ويكأن بمعنى ألم تر أن وهذا قول حسن من حيث المعنى والله أعلم. ثم أخبر تعالى (أن الدار الآخرة) وهي دار القرار وهي الدار التي يغبط من أعطيها ويعزى من حرمها إنما هي سعدة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا. فالعلو هو التكبر والفخر والأشر والبطر والفساد هو عمل المعاصي اللازمة (1)، والمتعدية من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم والإساءة إليهم وعدم النصح لهم ثم قال تعالى (والعاقبة للمتقين) وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر لقوله فخسفنا به وبداره الأرض فإن الدار ظاهرة في البنيان وقد تكون بعد ذلك في التيه وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام كما قال عنترة.
يا دار عبلة بالجواء تكلمي * وعمي صباحا دار عبلة واسلمي والله أعلم. وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن. قال الله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب) [غافر: 23 - 24] وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود. وقارون وفرعون وهامان (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [العنكبوت: 30 - 40] (2) فالذي خسف به الأرض قارون كما تقدم والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما أنهم كانوا خاطئين. وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، حدثنا كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال: " من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " (3). انفرد به أحمد رحمه الله.