البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ٣٥٩
يصنع] (1) منارة من الذهب دلى فيها ست قصبات من ذهب، من كل جانب ثلاثة. على كل قصبة ثلاث سرج، وليكن في المنارة أربع قناديل، ولتكن هي وجميع هذه الآنية من قنطار من ذهب صنع ذلك بصليال أيضا، وهو الذي عمل المذبح أيضا. ونصب هذه القبة أول يوم من سنتهم، وهو أول يوم من الربيع ونصب تابوت الشهادة وهو - والله أعلم - المذكور في قوله تعالى (ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) [البقرة: 248] وقد بسط هذا الفصل في كتابهم مطولا جدا (2)، وفيه شرائع لهم وأحكام وصفة قربانهم، وكيفيته وفيه إن قبة الزمان كانت موجودة قبل عبادتهم العجل الذي هو متقدم على مجئ بيت المقدس، وأنها كانت لهم كالكعبة يصلون فيها وإليها، ويتقربون عندها، وأن موسى عليه السلام كان إذا دخلها يقفون عندها، وينزل عمود الغمام على بابها، فيخرون عند ذلك سجدا لله عز وجل. ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور ويخاطبه ويناجيه، ويأمره وينهاه وهو واقف عند التابوت صامد إلى ما بين الكروبيين فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه الله عز وجل، إليه من الأوامر والنواهي. وإذا تحاكموا إليه في شئ ليس عنده من الله فيه شئ يجئ إلى قبة الزمان، ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك الحكومة وقد كان هذا مشروعا لهم في زمانهم أعني استعمال الذهب والحرير المصبغ واللآلئ في معبدهم وعند مصلاهم فأما في شريعتنا فلا بل قد نهينا عن زخرفة المساجد وتزيينها لئلا تشغل المصلين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وسع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي وكله على عمارته: ابن للناس ما يكنهم وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس * وقال ابن عباس لنزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم وهذا من باب التشريف والتكريم والتنزيه فهذه الأمة غير مشابهة من كان قبلهم من الأمم، إذ جمع الله همهم في صلاتهم على التوجه إليه والاقبال عليه، وصان أبصارهم وخواطرهم عن الاشتغال والتفكر في غير ما هم بصدده، من العبادة العظيمة. فلله الحمد والمنة.
وقد كانت قبة الزمان هذه مع بني إسرائيل في التيه، يصلون إليها وهي قبلتهم وكعبتهم وإمامهم كليم الله موسى عليه السلام، ومقدم القربان أخوه هارون عليه السلام * فلما مات هارون ثم موسى عليهما السلام استمر بنو هارون في الذي كان يليه أبوهم، من أمر القربان وهو فيهم إلى الآن. وأقام بأعباء النبوة بعد موسى وتدبير الامر بعده فتاه يوشع بن نون عليه السلام، وهو الذي دخل بهم بيت المقدس كما سيأتي بيانه. والمقصود هنا أنه لما استقرت يده على البيت المقدس نصب هذه القبة على صخرة بيت المقدس فكانوا يصلون إليها، فلما بادت صلوا إلى محلتها وهي الصخرة، فلهذا كانت قبلة الأنبياء بعده إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في نسخة: واعمل صحافا; واصنع منارة.
(2) التوراة المتداولة - سفر التثنية الذي تذكر فيه شرائعهم وأحكامهم.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391