ادعوه من الأصنام لأنه تبرأ منها وتنقص بها فلو كانت تضر لضرته أو تؤثر لأثرت فيه (قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين) يقولون هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا وتطعن بسببه في آبائنا تقوله محقا جادا فيه أم لاعبا (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين) يعني بل أقول لكم ذلك جادا محقا وإنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شئ فاطر السماوات والأرض الخالق لهما على غير مثال سبق فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له وأنا على ذلكم من الشاهدين. وقوله (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم. قيل إنه قال هذا خفية في نفسه وقال ابن مسعود سمعه (1) بعضهم، وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد فدعاه أبوه ليحضره (2) فقال إني سقيم كما قال تعالى (فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم). عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق في بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة * فلما خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم (راغ إلى آلهتهم) أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا فوجدها في بهو عظيم وقد وضعوا بين أيديها أنواعا من الأطعمة قربانا إليها (فقال) لها على سبيل التهكم والازدراء (ألا تأكلون. ما لكم لا تنطقون. فراغ عليهم ضربا باليمين) لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر فكسرها بقدوم (3) في يده كما قال تعالى (فجعلهم جذاذا) أي حطاما كسرها كلها (إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون) قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير (4) إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين).
وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخبالهم (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها فهو المقيم عليها والكاسر لها. وعلى قول ابن مسعود أي يذكرهم بقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) أي في الملا الأكبر على رؤس الاشهاد لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم