البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ١٦٨
فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه كما قال موسى عليه السلام لفرعون (موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) [طه: 59] فلما اجتمعوا وجاؤوا به كما ذكروا (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا) قيل معناه هو الحامل لي على تكسيرها (1) وإنما عرض لهم في القول (فاسألوهم إن كانوا ينطقون) [الأنبياء: 62 - 63] وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) أي فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي في تركها لا حافظ لها ولا حارس عندها (ثم نكسوا على رؤوسهم) قال السدي أي ثم رجعوا إلى الفتنة فعلى هذا يكون قوله إنكم أنتم الظالمون أي في عبادتها * وقال قتادة أدركت القوم حيرة سوء أي فأطرقوا ثم قالوا (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) [البقرة: 258] كما قال (فأقبلوا إليه يزفون) قال مجاهد يسرعون * قال (أتعبدون ما تنحتون) أي كيف تعبدون أصناما أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة وتصورونها وتشكلونها كما تريدون (والله خلقكم وما تعملون) وسواء كانت ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون وهذه الأصنام مخلوقة فكيف يعبد مخلوق لمخلوق مثله فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم وهذا باطل فالآخر باطل للتحكم إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له (قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم. فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين) [الصافات: 97 - 98]. عدلوا عن الجدال والمناظرة (2) لما انقطعوا وغلبوا ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) [الأنبياء: 68 - 70]. وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن فمكثوا مدة يجمعون له حتى أن المرآة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم * ثم عمدوا إلى جوبة (3) عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط * ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق

(1) قال إبراهيم ساخرا منهم: ان هذا الكبير، الصنم الكبير، غضب من أن تعبدوا معه هذه الصفار وهو أكبر منها فكسرها. ويتابع الطبري قائلا: فارعوا ورجعوا عنه فيما ادعوه عليه. ج 1 / 122.
(2) أي فلما أعيتهم الحيلة فيه ووجدت موعظته منهم قلوبا غلقا وأذانا صما، عمدوا إلى ما يلجأ إليه القوي الجبار الذي لاحق معه بإزاء المحق الضعيف.
(3) الجوبة: الحفرة.
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391