البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ١٦٢
وقال تعالى (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون. وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين. أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة. ان الله على كل شئ قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون. وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار. إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين. فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي انه هو العزيز الحكيم. ووهبنا له اسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب. وآتيناه أجره في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين) [العنكبوت: 16 - 27] ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى (واذكر في الكتاب إبراهيم انه كان صديقا نبيا. إذ قال لأبيه. يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا. يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا. يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا. قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا. قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا) [مريم: 41 - 48].
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة. وأحسن إشارة بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه فكيف تغني عنه شيئا أو تفعل به خيرا من رزق أو نصر؟ * ثم قال منبها على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع وإن كان أصغر سنا من أبيه (يا أبت إنه قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) أي مستقيما واضحا سهلا حنيفا يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك (1) فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ولا أخذها عنه بل تهدده وتوعده قال (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك) قيل بالمقال وقيل

(١) قال في أحكام القرآن: أي أرشدك إلى دين مستقيم فيه النجاة. 11 / 111 وقوله: يا أبت دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب.. / الرازي 21 / 226 /.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391