مهاجرة الحبشة ولما رأى رسول الله ما فيه أصحابه من الجهد والعذاب وما هو فيه من الامن بمنع أبي طالب عمه إياه قال لهم: ارحلوا مهاجرين إلى أرض الحبشة إلى النجاشي فإنه يحسن الجوار. فخرج في المرة الأولى اثنا عشر رجلا وفي المرة الثانية سبعون رجلا سوى أبنائهم ونسائهم، وهم المهاجرون الأولون، فكان لهم عند النجاشي منزلة، وكان يرسل إلى جعفر فيسأله عما يريد. فلما بلغ قريشا ذلك وجهت بعمرو بن العاص وعمارة بن الوليد المخزومي إلى النجاشي بهدايا وسألوه أن يبعث إليهم بمن صار إليه من أصحاب رسول الله، وقالوا:
سفهاء من قومنا خرجوا عن ديننا وضللوا أمواتنا وعابوا آلهتنا، وإن تركناهم ورأيهم لم نأمن أن يفسدوا دينك. فلما قال عمرو وعمارة للنجاشي هذا، أرسل إلى جعفر فسأله، فقال: إن هؤلاء على شر دين يعبدون الحجارة ويصلون للأصنام ويقطعون الأرحام ويستعملون الظلم ويستحلون المحارم، وإن الله بعث فينا نبيا من أعظمنا قدرا وأشرفنا سررا وأصدقنا لهجة وأعزنا بيتا، فأمر عن الله بترك عبادة الأوثان واجتناب المظالم والمحارم والعمل بالحق والعبادة له وحده، فرد على عمرو وعمارة الهدايا وقال: أدفع إليكم قوما في جواري على دين الحق وأنتم على دين الباطل! وقال لجعفر: اقرأ علي شيئا مما أنزل على نبيكم.
فقرأ عليه: كهيعص، فبكى وبكى من بحضرته من الأساقفة. فقال له عمرو وعمارة:
أيها الملك إنهم يزعمون أن المسيح عبد مملوك، فأوحشه ذلك وأرسل إلى جعفر فقال له: ما تقول وما يقول صاحبكم في المسيح؟ قال: إنه يقال إنه روح الله وكلمته، ألقاها إلى العذراء البتول. فأخذ عودا بين إصبعيه ثم قال: ما يزيد المسيح على ما قلت ولا مقدار هذا.