عثمان غائبا فستر أمره. فلما انصرف رأى عثمان القبر، فقال: قبر من هذا؟
فقيل: قبر عبد الله بن مسعود. قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا:
ولي أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبر به، ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار، وقال: ويلي على ابن السوداء! أما لقد كنت به عليما.
وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول الله، ويجتمع إليه الناس، فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم، محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زبدها، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وبلغ عثمان أيضا أن أبا ذر يقع فيه، ويذكر ما غير وبدل من سنن رسول الله وسنن أبي بكر وعمر، فسيره إلى الشأم إلى معاوية، وكان يجلس في المسجد،