فكان أبو العباس يجلس بالعشيات، ويأذن لخواصه وأهل بيته، فدخل عليه أبو الجهم ليلة، وقد أذن لأهله وخواصه، فقال له: إن أعرابيا أقبل يوضع على ناقته، حتى أناخها بالباب، وعقلها، ثم جاءني وقال: استأذن لي على أمير المؤمنين، فقلت: اذهب وضع عنك ثياب سفرك، وعد علي، سأستأذن عليه. فقال: إني آليت ألا أضع عني ثوبا، ولا أحل لثاما، حتى أنظر إلى وجهه. قال: فهل أنبأك من هو؟ قال: نعم! زعم أنه سديف مولاك، فقال: سديف؟ ايذن له، فدخل أعرابي كأنه محجن، فوقف، فسلم عليه بإمرة المؤمنين، ثم تقدم فقبل بين يديه ورجليه، ثم تأخر فوقف مثله ثم اندفع فقال:
أصبح الملك ثابت الآساس * بالبهاليل من بني العباس يا أمير المطهرين من الرجس * ويا رأس منتهى كل رأس أنت مهدي هاشم وهداها * كم أناس رجوك بعد إياس لا تقيلن عبد شمس عثارا * واقطعن كل رقلة وغراس أفنها أيها الخليفة واحسم * عنك بالسيف شأفة الأرجاس أنزلوها بحيث أنزلها الله * بدار الهوان والاتعاس ولقد ساءني وساء قبيلي * قربهم من نمارق وكراسي خوفهم أظهر التودد منهم * وبهم منكم كحز المواسي واذكروا مصرع الحسين وزيد * وقتيلا بجانب المهراس والقتيل الذي بحران أمسى * رهن رمس في غربة وتناسي نعم كلب الهراش مولاك لولا * حله من حبائل الافلاس فقام سليمان بن هشام فقال: يا أمير المؤمنين! إن مولاك هذا يحرضك منذ مثل بين يديك على قتلي وقتل ابني، وقد تبينت والله أنك تريد أن تغتالنا.