نهيج أحدا! وضرب بيده إلى الكعبة، فبينا هو يخطب إذ قام سديف بن ميمون، فقال: أصلح الله الأمير! أدنني منك، وأذن لي في الكلام! فقال:
هلم! فصعد المنبر حتى كان دون داود بمرقاة، ثم أقبل على الناس بوجهه، فحمد الله، وصلى على محمد ثم قال: أيزعم الضلال، خطئت أعمالهم، أن غير آل رسول الله أولى بتراثه، ولم، وبم معاشر الناس، ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة، الشركاء في النسب، والورثة للسلب، مع ضربهم في الفئ لجاهلكم، وإطعامهم في اللاواء جائعكم، وإيمانهم بعد الخوف سائلكم؟
لم ير مثل العباس بن عبد المطلب، اجتمعت له الأمة بواجب حق الحرمة، أبو رسول الله بعد أبيه، وجلدة ما بين عينيه يوم خيبر، لا يرد له أمرا، ولا يعصي له قسما. إنكم والله، معشر قريش، ما اخترتم لأنفسكم من حيث اختار الله لكم طرفة عين قط. ثم نزل، فاستتم داود خطبته ثم نزل.
فلما انقضى الموسم وجه داود إلى قوم كانوا بمكة من بني أمية، فقتل جماعة منهم، وأوثق جماعة منهم في الحديد، ووجههم إلى الطائف، فقتلوا هنالك، وحبس خلفا من الخلق، فماتوا في حبسه، وصار إلى المدينة ففعل مثل ذلك، ولم يقم بالمدينة إلا شهرين حتى توفي.
وبلغ أبا العباس عن أبي سلمة الخلال أمور أنكرها، وذكر له تدبيره وما كان عليه، وتأخيره له، والتماسه صرف الدولة إلى بعض الطالبيين، وكتب إليه أبو مسلم من خراسان أن اقتل أبا سلمة، فإنه العدو الغاش، الخبيث السريرة، فكتب إليه أبو العباس: أن وجه أنت من يقتله، وكره أبو العباس أن يوحش أبا مسلم بقتله، أو يوجد سبيلا إلى الاحتجاج به عليه، فوجه أبو مسلم مراد بن أنس الضبي، فجلس على باب أبي العباس، وكان يسمر عنده، فلما خرج ثار إليه فضرب عنقه.
وكان أبو سلمة يسمى وزير آل محمد، وكان أبو مسلم يكتب إليه: للأمير حفص بن سليمان، وزير آل محمد، من أبي مسلم أمين آل محمد. فقال سليمان