أيام عبد الملك بن مروان وقعة مشهورة، فأصابت فيهم على غرة، وذلك بعد وقعة أوقعتها بهم كلب يوم العاه، كان حميد بن حريث بن بجدل الكلبي اختلق سجلا على لسان عبد الملك بن مروان على صدقات بني فزارة، فقدم عليهم بالعاه فقتلهم، فاجتمع بنو فزارة فاغتروا كلبا على بنات قين فأكثروا القتل فيهم، كذا ذكر ابن حبيب، قال القتال:
سقى الله حيا، من فزارة دارهم بسبي، كراما، حيث أمسوا وأصبحوا هم أدركوا في عبد ود دماءهم، غداة بنات القين والخيل جنح كأن الرجال الطالبين تراتهم، أسود على ألبادها، فهي تمتح وقال عويف القوافي:
صبحناهم، غداة بنات قين، ململمة لها لجب طحونا بنار: بكسر أوله، وآخره راء: من قرى بغداد مما يلي طريق خراسان من ناحية براز الروذ، ينسب إليها أبو إسحاق إبراهيم بن بدر البناري، حدث عن سعد الخير الأنصاري، وسمع من أبي الوقت السجزي وأبي المعمر الأنصاري، حدث عنه محمد بن أبي المكارم البعقوبي، وكان سماعه في سنة 560.
بنارق: بالفتح، وكسر الراء، وقاف: قرية بين بغداد والنعمانية مقابل دير قنى من أعمال نهر ماري على دجلة، وهي الآن خراب، وكان السبب في خرابها مداومة العساكر السلجوقية ومرورهم عليها وتزولهم فيها، حدثني صديقنا أبو بكر عتيف بن أبي بكر مظفر بن علي البنارقي المقري النحوي قال:
حدثني جدي لأمي أبو الحسن دنينة وزوجته مباركة البنارقيان وجماعة كثيرة من أهل قريتنا بنارق أنه لما استمر تطرق العساكر لقريتنا أجمعنا على الرحيل عنها وإخلائها، ونهيأ لذلك إلى الليل، وكان قد بلغنا قرب العساكر منا، فلما كان الليل عبرنا دجلة لنجئ إلى دير قنى لأنه ذو سور منيع إلى أن تتجاوزنا العساكر، ثم نمضي إلى حيث نريد من البلاد، وقد استصحبنا ما خف من أمتعتنا على أكتافنا ودوابنا، فتأملنا فإذا نيران عظيمة ومشاعل جمة ملء البرية، فظنناها مشاعل العساكر، فندمنا وقلنا: ما صنعنا شيئا، لو أقمنا بقريتنا كان أرفق لنا لأنه كان يمكننا أن نخفي ما معنا هناك، فالآن قد جئناهم بأموالنا وسلمناها إليهم بأيدينا، فبينما نحن نتشاور وإذا تلك النيران قد دهمتنا وغشيتنا، فإذا هي سائرة بنفسها لا نرى لها حاملا، وسمعنا من خلالها أصواتا كالنياحة بأشجى صوت يقول:
فلا بثقهم ينسد ولا نهر هم يجري، وخلوا منازلهم وساروا مع الفجر 1 وهم ملحون في موضعين، فعلمنا أنهم الجن، قال:
وكان الامر كما ذكرنا، فإن النهروان وأنهارا كثيرة فسدت ولم تتفرغ الملوك لاصلاحها، فخربت البلاد إلى الآن، قال: وبتنا بدير قنى ثم تفرقنا في البلاد، فمنا من قصد بغداد ومنا من قصد واسط ومنا من استوطن غيرهما، وكان ذلك في حدود سنة 545.
بناكت: بالفتح، وكسر الكاف، وآخره تاء فوقها نقطتان: مدينة بما وراء النهر في الاقليم الرابع، طولها أربع وتسعون درجة وربع، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وسدس، وهي مدينة كبيرة، خرج منها طائفة من أهل العلم، منهم: أبو علي عبد الله بن عبد الرحمن البناكتي السمرقندي، سمع أبا محمد عبد