وأماما في القراء والنحويين وأقمت في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا فصادفته فوق ما وصف لي وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله. وقال الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد والاضطلاع من علوم كالقراءات فان له فيها مصنفا سبق فيه إلى عقد الأبواب قبل فرش الحروف، وتأسى القراء به بعده، ومن ذلك المعرفة بمذاهب الفقهاء، بلغني انه درس الفقه على أبي سعيد الإصطخري، ومنها المعرفة بالآداب والشعر فقيل كان يحفظ دواوين جماعة، وحدثني حمزة ابن محمد بن طاهر أنه كان يحفظ ديوان السيد الحميري، ولهذا نسب إلى التشيع. قال ابن الذهبي: ما أبعده من التشيع. قال الخطيب: وحدثني الأزهري قال: بلغني ان الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار وقعد ينسخ جزءا والصفار يملي فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمي للاملاء خلاف فهمك، أتحفظ كم أملى الشيخ؟ قال:
لا أدري، قال: أملى ثمانية عشر حديثا، الحديث الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه - أو كما قال.
قال رجاء بن محمد المعدل قلت للدارقطني: هل رأيت مثل نفسك؟ فقال قال الله تعالى (فلا تزكوا أنفسكم)، قال فألححت عليه فقال: لم أر أحدا جمع ما جمعت. وقال أبو ذر الحافظ قلت للحاكم: هل رأيت مثل