الفقه التي لا تعم أقوال الناس فيها إلا بالرواية فهؤلاء - الذين ذكرناهم الذين يعتد خصومنا بأقوالهم في الخلاف وبإجماعهم في الاجماع بعد إجماع الصحابة وهؤلاء الذين رويت عنهم الأقوال في مسائل الفقه. وكثير من هؤلاء لا يحفظ عنهم إلا المسألتان والثلاث وربما فاتنا من لم نذكر إلا أنهم بشك يسير، وممن لا يحفظ عنه إلا اليسير جدا، ونحن بشر والكمال من الناس للنبيين عليهم السلام ولمن وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بالكمال، وبالله تعالى التوفيق.
فإذا لم يضبط من التابعين إلا من سمينا، وكل من يدري شيئا من الاخبار يوقن قطعا بأنهم ملؤوا الأرض من أقصى السند وأقصى خراسان إلى أرمينية وأذربيجان إلى الموصل وديار ربيعة وديار مضر إلى الشام إلى مصر إلى أفريقيا إلى أقصى الأندلس إلى أقاصي بلاد البربر إلى الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب إلى العراق إلى الأهواز إلى فارس إلى كرمان إلى سجستان إلى كابل إلى السند وأصبهان وطبرستان وجرجان والجبال، وأن جميع هذه البلاد فشا فيها الاسلام وغلب عليها، ولله تعالى الحمد.
وإنه لم يكن للمسلمين في جميع ما ذكرنا من البلاد ولا قرية ضخمة إلا كان فيها المفتي والمقرئ وربما أكثر من واحد، فكيف يسوغ لدى عقل - له حظ من دين يخاف الله تعالى في الكذب، ويتقي العار والشهرة والافتضاح بالإفك على كل مفت كان في البلاد المذكورة - في دعواه الاجماع على ما لا يتيقن أن كل واحد من مفتي جميع تلك البلاد قال به وإذا كان ممن سميناهم جزءا يسيرا ممن لم يبلغنا اسمه لا يوجد لأكثرهم إلا مسائل يسيرة جدا وهم عدد يسير فأين فتاويهم في سائر ما لم يرد عنهم فكيف بمن لم يسم منهم؟.
فصح يقينا أنه لا يحصي جميع أقوال التابعين. ثم أقوال أهل عصر بعدهم في كل نازلة إلا الله تعالى خالقهم الذي لا يخفى عليه شئ من خلقه. ووالله ما أحصت الملائكة ذلك، لان كل ملك إنما يحصي أقوال من جعل عليه حفيظا ورقيبا عتيدا لا قول من سواه، فكيف أن يتعاطى الاحصاء لذلك كله من لم يؤت العلم إلا قليلا؟.
فوضح وضوحا كالشمس في يوم صحو أن كل من ادعى الاجماع على ما عدا