أولا: أن بناء العقلاء لا يستكشف منه اعتبار الاستصحاب عند الشارع إلا إذا أحرزنا أن منشأ بنائهم العملي هو التعبد بالحالة السابقة من قبلهم - أي أنهم يأخذون بالحالة السابقة من أجل أنها سابقة - لنستكشف منه تعبد الشارع. ولكن ليس هذا بمحرز منهم إذا لم يكن مقطوع العدم، فإنه من الجائز قريبا أن أخذهم بالحالة السابقة لا لأجل أنها حالة سابقة، بل لأجل رجاء تحصيل الواقع مرة، أو لأجل الاحتياط أخرى، أو لأجل اطمئنانهم ببقاء ما كان ثالثة، أو لأجل ظنهم بالبقاء - ولو نوعا - رابعة، أو لأجل غفلتهم عن الشك أحيانا خامسة (1). وإذا كان الأمر كذلك فلم يحرز تعبد الشارع بالحالة السابقة الذي هو النافع في المقصود.
والجواب: أن المقصود النافع من ثبوت بناء العقلاء هو ثبوت تبانيهم العملي على الأخذ بالحالة السابقة، وهذا ثابت عندهم من غير شك، أي أن لهم قاعدة عملية تبانوا عليها ويتبعونها أبدا مع الالتفات والتوجه إلى ذلك. أما فرض الغفلة من بعضهم أحيانا فهو صحيح، ولكن لا يضر في ثبوت التباني منهم دائما مع الالتفات. ولا يضر في استكشاف مشاركة الشارع معهم في تبانيهم اختلاف أسباب التباني عندهم من جهة مجرد الكون السابق أو من جهة الاطمئنان عندهم أو الظن لأجل الغلبة أو لأي شئ آخر من هذا القبيل، فهي قاعدة ثابتة عندهم فتكون ثابتة أيضا عند الشارع. ولا يلزم أن يكون ثبوتها عنده من جميع الأسباب التي لاحظوها. وإذا ثبتت عند الشارع فليس ثبوتها عنده إلا التعبد بها من قبله، فتكون حجة على المكلف وله.
نعم، احتمال كون السبب في بنائهم - ولو أحيانا - رجاء تحصيل