تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٤٨
تمنيكم لمباعدتهم «إذ ظلمتم» اى لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا باتباعكم إياهم في الكفر والمعاصي وقيل إذ ظلمتم بدل من اليوم إي إذ تبين عندكم وعند الناس جميعا أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا وعليه قول من قال إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة أي تبين أنى لم تلدني لئيمة بل كريمة وقوله تعالى «أنكم في العذاب مشتركون» تعليل لنفى النفع أي لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا ويجوز أن يسند الفعل إليه لكن لا بمعنى لن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في شدائد الدنيا اشتراكهم فيها لتعاونهم في تحمل أعبائها وتقسمهم لعنائها لأن لكل منهم مالا تبلغه طاقته كما قيل لأن الانتفاع بذلك الوجه ليس مما يخطر ببالهم حتى يرد عليهم بنفيه بل بمعنى لن يحصل لكم التشفي بكون قرنائكم معذبين مثلكم حيث كنتم تدعون عليهم بقولكم ربنا آتهم ضعفين من العذاب ولعنهم لعنا كبيرا وقولكم فآتهم عذابا ضعفا من النار ونظائرهما لتتشفوا بذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالغ في المجاهدة في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غيا وتعاميا عما يشاهدونه في شواهد النبوة وتصاما عما يسمعونه من بينات القرآن فنزل «أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي» وهو إنكار تعجيب من ان يكون هو الذي يقدر على هدايتهم وهم قد تمرنوا في الكفر واستغرقوا في الضلالة بحيث صار ما بهم من العشى عمى مقرونا بالصمم «ومن كان في ضلال مبين» عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين ومدار الإنكار هو التمكن والاستقرار في اضلال المفرط بحيث لا ارعواء له منه لا توهم القصور من قبل الهادي ففيه رمز إلى انه لا يقدر على ذلك إلا الله تعالى وحده بالقسر والإلجاء «فإما نذهبن بك» أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم ونشفي بذلك صدرك وصدور المؤمنين «فإنا منهم منتقمون» لا محالة في الدينا والآخرة فما مزيدة للتأكيد بمنزلة لام القسم في أنها لا تفارق النون المؤكدة «أو نرينك» الأذى «الذي وعدناهم» أي أو أردنا أن نريك العذاب الذي وعدناهم «فإنا عليهم مقتدرون» بحيث لا مناص لهم من تحت ملكتنا وقهرنا ولقد أراه عليه السلام ذلك يوم بدر «فاستمسك بالذي أوحي إليك» من الآيات والشرائع سواء عجلنا لك الموعود أو أخرناه إلى يوم الآخرة وقرئ أوحى على البناء للفاعل وهو الله عز وجل «إنك على صراط مستقيم» تعليل للاستمساك أو للأمر به «وإنه لذكر» لشرف عظيم «لك ولقومك وسوف تسألون» يوم القيامة عنه وعن قيامكم بحقوقه «واسأل
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة