تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٠٣
هؤلاء الموصوفون وقوله تعالى (تدعون لتنفقوا في سبيل الله) استئناف مقرر لذلك أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين أي ها أنتم الذين تدعون ففيه توبيخ عظيم وتحقير من شأنهم والإنفاق في سبيل الله يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما (فمنكم من يبخل) أي ناس يبخلون وهو في حيز الدليل على الشرطية السابقة (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) فإن كلا من نفع الإنفاق وضرر البخل عائد إليه والبخل يستعمل بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدى (والله الغنى) دون من عداه (وأنتم الفقراء) فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم وقوله تعالى (وإن تتولوا) عطف على إن تؤمنوا أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى (يستبدل قوما غيركم) يخلف مكانكم قوما آخرين (ثم لا يكونوا أمثالكم) في التولى عن الإيمان والتقوى بل يكونوا راغبين فيهما قيل هم الأنصار وقيل الملائكة وقيل أهل فارس لما روى أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه فقال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس وقيل كندة والنخع وقيل العجم وقيل الروم. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة محمد كان حقا على الله عز وجل أن يسقيه من أنهار الجنة.
(سورة الفتح مدنية نزلت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وآياتها تسع وعشرون) «بسم الله الرحمن الرحيم» «إنا فتحنا لك» فتح البلد عبارة عن الظفر به عنوة أو صلحا بحراب أو بدونه فإنه ما لم يظفر به منغلق مأخوذ من فتح باب الدار وإسناده إلى نون العظمة لاستناد أفعال العباد إليه تعالى خلقا وإيجادا والمراد به فتح مكة شرفها الله وهو المروى عن أنس رضي الله عنه بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من الحديبية والتعبير عنه بصيغة الماضي على سنن سائر الأخبار الربانية لللإيذان بتحققه لا محالة تأكيدا للتبشير كما أن تصدير الكلام بحرف التحقيق لذلك وفيه من الفخامة المنبئة عن عظمة شان المخبر جل جلاله وعز سلطانه ما لا يخفى وقيل هو ما أتيح له عليه الصلاة والسلام في تلك السنة من فتح خيبر وهو المروى عن مجاهد وقيل هو صلح الحديبية فإنه وإن لم يكن فيه حراب شديد بل ترام بين الفريقين بسهام وحجارة لكن لما كان الظهور للمسلمين حيث سألهم المشركون الصلح كان فتحا بلا ريب وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما رموا المشركين حتى أدخلوهم ديارهم وعن الكلى ظهروا عليهم حتى سألوا الصلح وقد روى أنه عليه الصلاة والسلام حين
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة