تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٥١
فتحة أو على أنه جمع سلفة أي ثلة قد سلفت «ومثلا للآخرين» إلى أي عظة لهم أو قصة عجيبة تسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون «ولما ضرب ابن مريم مثلا» أي ضربة ابن الزبعري حين جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم حيث قال أهذا لنا ولآلهتنا أو جميع الأمم فقال عليه الصلاة والسلام هو لكم ولآهلتكم ولجميع الأمم فقال ألا للعين خصمتك ورب الكعبة أليس النصارى يعبدون المسيح واليهود عزيرا وبنو مليح الملائكة فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرح به قومه وضحكوا وارتفعت أصواتهم وذلك قوله تعالى «إذا قومك منه» أي من ذلك المثل «يصدون» أي يرتفع لهم جلية وضجيج فرحا وجدلا وقرى يصدون أي من اجل ذلك المثل يعرضون عن الحق أي يثبتون على ما كانوا عليه من الاعتراض أو يزدادون فيه وقيل هو أيضا من الصديد وهما لغتنا فيه نحو يعكف ويعكف وهو الأنسب بمعنى المفاجأة «وقالوا أآلهتنا خير أم هو» حكاية لطرف من المثل المضروب قالوه تمهيدا لما بنوا عليه من الباطل المموه بما يغتربه السفهاء أي ظاهر أن عيسى خير من آلهتنا فحيث كان هو في النار فلا بأس بكوننا مع آلهتنا فيها واعلم ان ما نقل عنهم من الفرح ورفع الأصوات لم يكن لما قيل من أنه عليه الصلاة والسلام سكت عند ذلك إلى ان نزل قوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية فإن ذلك مع إيهامه لما يجب تنزيه ساحته عليه الصلاة والسلام عنه من شائبة الإفحام من أول الأمر خلاف الواقع كيف لا وقد روى أن قول أبن الزبعري خصمتك ورب الكعبة صدر عنه من أول الأمر عند سماع الآية الكريمة فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عليه السلام ما أجهلك بغلة قومك أما فهمت أن حالم لا يعقل وإنما لم يخص عليه السلام هذا الحكم بآلهتهم حين سأل الفاجر عن المخصوص والعموم عملا من اختصاص كله ما بغير العقلاء لأن إخراج بعض المعبودين عنه عند الحاجة موهم للرخصة في عبادته في الجملة فعممه عليه السلام للكل لكن لا بطريق عبارة النص بل بطريق الدلالة بجامع الاشتراك في المعبودية من دون الله تعالى ثم بين عليه الصلاة والسلام بقوله بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك أن الملائكة والمسيح بمعزل من ان يكونوا معبوديهم كما نطق به قوله تعالى سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون لجن الآية وقد مر تحقيق المقام عند قوله تعالى «إن الذين سبقت لهم منا الحسنى» الآية بل إنما كان ما أظهروه من الأحوال المنكرة لمحض وقاحتهم وتهالكهم على المكابرة والعناد كما ينطق به قوله تعالى «ما ضربوه لك إلا جدلا» أي ما ضربوا لك وذلك المثل إلا لأجل الجدال والخصام لا لطلب الحق حتى يذعنوا له عند ظهوره ببيانك «بل هم قوم خصمون» أي لد شداد الخصومة مجبولون على المحك واللجاج وقيلا لما سمعوا قوله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب قالوا نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدميا ونحن نعبد الملائكة فنزلت فقولهم أآلهتنا خير أم هو حينئذ
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة