كل ما ذكر من البيوت الموصوفة المفصلة إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا وفي معناه ما قرىء وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وقرئ بتخفيف ما على أن أن هي المخففة واللام هي الفارقة وقرئ بكسر اللام على أنها لام العلة وما موصولة قد حذف عائدها أي للذي هو متاع الخ كما في قوله تعالى تماما على الذي أحسن «والآخرة» بما فيها من فنون النعم التي يقصر عنها البيان «عند ربك للمتقين» أي عن الكفر والمعاصي وبهذا تبين أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا «ومن يعش» أي يتعام «عن ذكر الرحمن» وهو القرآن وإضافته إلى اسم الرحمن للإيذان بنزوله رحمة للعالمين وقرئ يعش بالفتح أي يعم يقال عشى يعشى إذا كان في بصره آفة وعشا يعشو إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج وقرئ يعشو على من موصولة غير مضمنة معنى الشرط والمعنى ومن يعرض عنه لفرط اشتغاله بزهرة الحياة الدنيا وانهماكه في حظوظها الفانية والشهوات «نقيض له شيطانا فهو له قرين» لا يفارقه ولا يزال يوسوسه ويغويه وقرئ يقيض بالياء على إسناده إلى ضمير الرحمن ومن رفع يعشو فحقه أن يرفع يقيض «وأنهم» أي الشياطين الذين قيض كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو «ليصدونهم» أي قرناءهم فمدار جمع الضميرين اعتبار معنى من كما أن مدار إفراد الضمائر السابقة اعتبار لفظها «عن السبيل» المستبين الذي يدعو إليه القرآن «ويحسبون» أي العاشون «إنهم» أي الشياطين «مهتدون» أي إلى السبيل المستقيم وإلا لما أتبعوهم أو يحسبون أن أنفسهم مهتدون لأن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما والجملة حال من مفعول يصدون بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتمالها على ضميريهما أي وإنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه وصيغة المضارع في الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجديدية لقوله تعالى «حتى إذا جاءنا» فإن حتى وإن كانت ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية لكنها تقتضى حتما أن تكون غاية لأمر ممتد كما مر مرار وإفراد الضمير في جاء وما بعده لما أن المراد حكاية مقالة كل واحد واحد من العاشين لقرينه لتهويل الأمر وتفظيع الحال والمعنى يستمر العاشون على ما ذكر من مقارنة الشياطين والصدر والحسبان الباطل حتى إذا جاءنا كل واحد منهم مع قرينه يوم القيامة «قال» مخاطبا له «يا ليت بيني وبينك» في الدنيا «بعد المشرقين» أي بعد المشرق والمغرب أي تباعد كل منهما عن الآخر فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما «فبئس القرين» أي أنت وقوله تعالى «ولن ينفعكم» الخ حكاية لما سيقال لهم حينئذ من جهة الله عز وجل توبيخا وتقريعا أي لن ينفعكم «اليوم» أي يوم القيامة
(٤٧)