تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٢
سورة فصلت مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية حم إن جعل إسما للسورة فهو إما خبر لمبتدأ محذوف وهو الأظهر لما مر من سره مرارا أو مبتدأ خبره تنزيل وهو على الأول خبر بعد خبر، وخبر لمبتدأ محذوف إن جعل مسرودا على نمط التعديد وقوله تعالى: من الرحمن الرحيم متعلق به مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، أو خبر آخر. أو تنزيل مبتدأ لتخصصه بالصفة خبره كتاب وهو على الوجوه الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف. ونسبة التنزيل إلى الرحمن الرحيم للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية، واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. فصلت آياته ميزت بحسب النظم والمعنى وجعلت تفاصيل في أساليب مختلفة ومعان متغايرة من أحكام وقصص ومواعظ وأمثال ووعد ووعيد. وقرىء فصلت، أي فرقت بين الحق والباطل، أو فصل بعضها من بعض باختلاف الأساليب والمعاني من قولك فصل من البلد فصولا قرآنا عربيا نصب على المدح أو الحالية من كتاب لتخصصه بالصفة أو من آياته لقوم يعلمون أي معانيه لكونه على لسانهم، وقيل لأهل العلم والنظر، لأنهم المنتفعون به. واللام متعلقة بمحذوف هو صفة أخرى لقرآنا، أي كائنا لقوم الخ، أو بتنزيل على أن من الرحمن الرحيم ليست بصفة له أو بفصلت بشيرا ونذيرا صفتان أخريان لقرآنا أي بشيرا لأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية، أو حالان من كتاب، أو من آياته. وقرئا بالرفع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف فأعرض أكثرهم عن تدبره مع كونه على لغتهم فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل حتى يفهموا جلالة قدره فيؤمنوا به وقالوا أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند دعوته إياهم إلى الإيمان والعمل بما في القرآن قلوبنا في أكنة أي أغطية متكاثفة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر أي صمم، وأصله الثقل. وقرىء بالكسر، وقرىء بفتح القاف ومن بيننا وبينك حجاب غليظ يمنعنا عن التواصل، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ولم يبق ثمة فراغ أصلا وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ومج أسماعهم له كأن بها صمما وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول عليه الصلاة والسلام.
(٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة