تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٤٣
ينشأ ويناشأ من الأفعال والمفاعلة والكل بمعنى واحد ونظيرة غلاه وأغلاه وغالاه «وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا» بيان لتضمين كفرهم المذكور لكفر آخر وتقريع لهم بذلك وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله عز وجل أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا وقرئ عبيد الرحمن وقرئ عند الرحمن على تمثيل زلفاهم وقرئ أنثا وهو جمع الجمع «أشهدوا خلقهم» أي أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثا حتى يحكموا بأنوثتهم فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل لهم وتهكم بهم وقرئ أأشهدوا بهمزتين مفتوحة ومضمومة وآأشهدوا بألف بينهما «ستكتب شهادتهم» هذه في ديوان أعمالهم «ويسألون» عنها يوم القيامة وقرئ سيكتب وسنكتب بالياء والنون وقرئ شهاداتهم وهى قولهم إن لله جزاء وإن له بنات وإنها الملائكة وقرئ يسألون من المسألة للمبالغة «وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم» بيان لفن آخر من كفرهم أي لو شاء عدم عبادتنا للملائكة مشيئة ارتضاء ما عبدناهم أرادوا بذلك بيان أن ما فعلوه حق مرضى عنده تعالى وأنهم إنما يفعلونه بمشيئته تعالى إياه منهم مع اعترافهم بقبحه حتى ينتهض ذمهم به دليلا للمعتزلة ومبنى كلامهم الباطل على مقدمتين إحداهما إن عبادتهم لهم بمشيئته تعالى والثانية أن ذلك مستلزم لكونها مرضية عنده تعالى ولقد أخطأوا في الثانية حيث جهلوا أن المشيئة عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض كائنا ما كان من غير اعتبار الرضا أو السخط في شيء من الطرفين ولذلك جهلوا بقوله تعالى «ما لهم بذلك» أي بما أرادوا بقولهم ذلك من كون ما فعلوه بمشيئته الارتضاء لا بمطلق المشيئة فإن ذلك محقق ينطق به ما لا يحصى من الآيات الكريمة «من علم» يستند إلى سند ما «إن هم إلا يخرصون» يتمحلون تمحلا باطلا وقد جوز أن يشر بذلك إلى أصل الدعوى كأنه لما أظهر وجوه فسادها وحكى شبههم المزيفة نفى أن يكون لهم بها علم من طريق العقل ثم أضرب عنه إلى أبطال إن يكون لهم سند من جهة النقل فقيل «أم آتيناهم كتابا من قبله» من قبل القرآن أو من قبل ادعائهم ينطق بصحة ما يدعونه «فهم به» بذلك الكتاب «مستمسكون» وعليه معولون «بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون» أي لم يأتوا بحجة عقلية أو نقلية بل اعترفوا بأن لا سند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم والأمة الدين والطريقة التي تأم أي تقصد كالرحلة لما يرحل إليه وقرئ إمة بالكسر وهي الحالة التي يكون عليها الآم أي القاصد وقوله تعالى على آثارهم مهتدون خبران والظرف صله لمهتدون
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة