«بسم الله الرحمن الرحيم» «إذا جاءك المنافقون» أي حضروا مجلسك «قالوا نشهد إنك لرسول الله» مؤكدين كلامهم بان واللام للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم وقوله تعالى «والله يعلم إنك لرسوله» اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم وسط بينه وبين قوله تعالى «والله يشهد إن المنافقين لكاذبون» تحقيقا وتعيينا لما نيط به التكذيب من أنهم قالوه عن اعتقاد كما أشير إليه وإماطة من أول الأمر لما عسى يتوهم من توجه التكذيب إلى منطوق كلامهم أي والله يشهد إنهم لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب وا لإظهار في موقع الاضمار لذمهم والإشعار بعلة الحكم «اتخذوا أيمانهم» الفاجرة التي من جملتها ما حكى عنهم «جنة» أي وقاية عما يتوجه إليهم من مؤاخذة بالقتل والسبي أو غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن أعدادهم وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا عن المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها أيضا كما يفصح عنه الفاء في قوله تعالى «فصدوا عن سبيل الله» أي فصدوا من أراد الدخول في الإسلام بأنه عليه الصلاة والسلام ليس برسول ومن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهى عنه كما سيحكى عنهم ولا ريب في أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل وقرئ إيمانهم أي ما ظهوره على ألسنتهم فاتخاذه جنة عبارة عن استعماله بالفعل فإنه وقاية دون دمائهم وأموالهم فمعنى قوله تعالى فصدوا حينئذ فاستمروا على ما كانوا عليه من الصد والإعراض عن سبيله تعالى «إنهم ساء ما كانوا يعملون» من النفاق والصد وفي ساء معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين «ذلك» ذلك إشارة إلى ما تقدم من القول
(٢٥١)