تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٣٨
أو لم تسمعوا ربكم يقول فتلت هذه الآية «إنه على» متعال عن صفات المخلوقين لا يتأتى جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة «حكيم» يجرى أفعاله على سنن الحكمة فيكلم تارة بواسطة وأخرى بدونها إما إلهاما وإما خطابا «كذلك» أي ومثل ذلك الإيحاء البديع «أوحينا إليك روحا من أمرنا» هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية وقيل جبريل عليه السلام ومعنى إيحائه إليه عليهما السلام إرساله إليه بالوحي «ما كنت تدري» قبل الوحي «ما الكتاب» أي أي شئ هو «ولا الإيمان» أي الإيمان بتفاصيل ما في تضاعيف الكتاب من الأمور التي لا تهتدى إليها العقول لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر عليه فإن درايته عليه الصلاة والسلام له مما لا ريب فيه قطعا «ولكن جعلناه» أي الروح الذي أوحيناه إليك «نورا نهدي به من نشاء» هدايته «من عبادنا» وهو الذي يصرف اختياره نحو الاهتداء به وقوله تعالى «وإنك لتهدي» تقرير لهدايته تعالى وبيان لكيفيتها ومفعول لتهدى محذوف ثقة بغاية الظهور أي وأنك لتهدي بذلك النور من نشاء هدايته «إلى صراط مستقيم» هو الإسلام وسائر الشرائع والاحكام وقرئ لتهدى أي ليهديك الله وقرئ لتدعوا «صراط الله» بدل من الأول وإضافته إلى الاسم الجليل ثم وصفه بقوله تعالى «الذي له ما في السماوات وما في الأرض» لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيها من الموجودات له تعالى خلقا وملكا وتصرفا مما يوجب ذلك أتم إيجاب «ألا إلى الله تصير الأمور» أي أمور ما فيهما قاطبة لا إلى غيره ففيه من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ملا يخفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرأ سورة حم عسق كان ممن تصلى عليه الملائكة ويستغفرون ويسترحمون له.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة