تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٨٨
«فرح المخلفون» أي الذين خلفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإذن لهم في القعود عند استئذانهم أو خلفهم الله بتثبيطه إياهم لما علم في ذلك من الحكمة الخفية أو خلفهم كسلهم أو نفاقهم «بمقعدهم» متعلق بفرح أي بقعودهم وتخلفهم عن الغزو «خلاف رسول الله» أي خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا يقال أقام خلاف الحي أي بعدهم ظعنوا ولم يظعن ويؤيده قراءة من قرأ خلف رسول الله فانتصابه على أنه ظرف لمقعدهم إذ لا فائدة في تقييد فرحهم بذلك وقيل هو بمعنى المخالفة ويعضده قراءة من قرأ خلف رسول الله بضم الخاء فانتصابه على أنه مفعول له والعامل إما فرح أي فرحوا لأجل مخالفته صلى الله عليه وسلم بالقعود وإما مقعدهم أي فرحوا بقعودهم لأجل مخالفته صلى الله عليه وسلم أو على أنه حال والعامل أحد المذكورين أي فرحوا مخالفين له صلى الله عليه وسلم أو فرحوا بالقعود مخالفين له صلى الله عليه وسلم «وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله» لا إيثار للدعة والخفض على طاعة الله تعالى فقط بل مع ما في قلوبهم من الكفر والنفاق فإن إيثار أحد الأمرين قد يتحقق بأدنى رجحان منه من غير أن يبلغ الآخر مرتبة الكراهية وإنما أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال وكرهوا أن يخرجوا إلى الغزو إيذانا بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجل الرغائب وأشرف المطالب التي يجب أن يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه كما فرحوا بأقبح القبائح الذي هو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقالوا» أي لإخوانهم تثبيتا لهم على التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد أو للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا عن المعروف وإظهارا لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به من القعود فقد جمعوا ثلاث خلال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهية الجهاد ونهي الغير عن ذلك «لا تنفروا في الحر» فإنه لا يستطاع شدته «قل» ردا عليهم وتجهيلا لهم «نار جهنم» التي ستدخلونها بما فعلتم «أشد حرا» مما تحذرون من الحر المعهود وتحذرون الناس منه فما لكم لا تحذرونها وتعرضون أنفسكم لها بإيثار القعود على النفير «لو كانوا يفقهون» اعتراض تذييلي من جهته سبحانه وتعالى غير داخل تحت القول المأمور به مؤكد لمضمونه وجواب لو إما مقدر أي لو كانوا يفقهون أنها كذلك أو كيف هي أو أن مآلهم إليها لما فعلوا ما فعلوا أو لتأثروا بهذا الإلزام وإما غير منوي على أن لو لمجرد التمني المنبئ عن امتناع تحقق مدخولها أي لو كانوا من أهل الفطانة والفقه كما في قوله عز وجل قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون «فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا» إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل والبكاء الطويل المؤدي إليه أعمالهم السيئة التي من جملتها ما ذكر من الفرح والفاء لسببية ما سبق للإخبار بما ذكر من الضحك والبكاء لا لنفسهما إذ لا يتصور السببية في الأول أصلا وقليلا وكثيرا منصوبان على المصدرية
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308