قوله عز وجل «بما أخلفوا الله ما وعدوه» أي بسبب إخلافهم ما وعدوه تعالى من التصدق والصلاح «وبما كانوا يكذبون» أي وبكونهم مستمرين على الكذب في جميع المقالات التي من جملتها وعدهم المذكور وتخصيص الكذب به يؤدي إلى تخلية الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل عن المزية فإن تسبب الأعقاب المذكور بالإخلاف والكذب يقضي بإسناده إلى الله عز وجل إذ لا معنى لكونهما سببين لأعقاب البخل النفاق والتحقيق أنه لما كانت الفاء الدالة على الترتيب والتفريع منبئة عن ترتب أعقاب النفاق المخلد على أفعالهم المحكية عنهم من المعاهدة بالتصدق والصلاح والبخل والتولي والإعراض وفيها مالا دخل له في الترتب المذكور كالمعاهدة أزيح ما في ذلك من الإبهام بتعيين ما هو المدار في ذلك والله تعالى أعلم وقرئ بتشديد الذال «ألم يعلموا» أي المنافقون أو من عاهد الله وقرئ بالتاء الفوقانية خطابا للمؤمنين فالهمزة على الأول للإنكار والتوبيخ والتهديد أي ألم يعلموا «أن الله يعلم سرهم ونجواهم» أي ما أسروا به في أنفسهم وما تناجوا به فيما بينهم من المطاعن وتسمية الصدقة جزية وغير ذلك مما لا خير فيه وسر تقديم السر على النجوى سيظهر في قوله سبحانه وستردون إلى عالم الغيب والشهادة «وأن الله علام الغيوب» فلا يخفي عليه شيء من الأشياء حتى اجترءوا على ما اجترءوا عليه من العظائم وإظهار اسم الجلالة في الموقعين لإلقاء الروعة وتربية المهابة وفي إيراد العلم المتعلق بسرهم ونجواهم بصيغة الفعل الدال على الحدوث والتجدد والعلم المتعلق بالغيوب الكثيرة الدائمة بصيغة الاسم الدال على الدوام والمبالغة من الفخامة والجزالة مالا يخفي وعلى الثاني لتقرير علم المؤمنين بذلك وتنبيههم على أنه تعالى مؤاخذهم ومجازيهم بما علم من أعمالهم «الذين يلمزون» نصب أو رفع على الذم ويجوز جره على البدلية من الضمير في سرهم ونجواهم وقرئ بضم الميم وهي لغة أي يعيبون «المطوعين» أي المتطوعين المتبرعين «من المؤمنين» حال من المطوعين وقوله تعالى «في الصدقات» متعلق بيلمزون روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة فأتى عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب وقيل بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة وأمسكت لعيالي أربعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك له حتى صولحت تماضر رابعة نسائه عن ربع الثمن على ثمانين ألفا وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت «والذين لا يجدون إلا جهدهم» عطف على المطوعين أي ويلمزون
(٨٦)