البتة فإن السين مؤكدة للوقوع كما في قولك سأنتقم منك «أن الله عزيز» تعليل للوعد أي قوي قادر على إعزاز أوليائه وقهر أعدائه «حكيم» يبني أحكامه على أساس الحكمة الداعية إلى إيصال الحقوق من النعمة والنقمة إلى مستحقيها من أهل الطاعة وأهل المعصية وهذا وعد للمؤمنين متضمن لوعيد المنافقين كما أن ما سبق في شأن المنافقين من قوله تعالى فنسيهم وعيد لهم متضمن لوعد المؤمنين فإن منع لطفه تعالى عنهم لطف في حق المؤمنين «وعد الله المؤمنين والمؤمنات» تفصيل لآثار رحمته الأخروية إثر ذكر رحمته الدنيوية والإظهار في موقع الإضمار لزيادة التقرير والإشعار بعلية وصف الإيمان لحصول ما تعلق به الوعد وعدم التعرض لذكر ما مر من الأمر بالمعروف وغير ذلك للإيذان بأنه من لوازمه ومستتبعاته أي وعدهم وعدا شاملا لكل أحد منهم على اختلاف طبقاتهم في مراتب الفضل كيفا وكما «جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها» فإن كل أحد منهم فائز بها لا محالة «ومساكن طيبة» أي وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش في الخبر أنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر «في جنات عدن» هي أبهى أماكن الجنات وأسناها عن النبي صلى الله عليه وسلم عدن دار الله لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج وله خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حوراء لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد وعن ابن مسعود رضي الله عنه هي بطنان الجنة وسرتها فعدن على هذا علم وقيل هو بمعناه اللغوي أعنى الإقامة والخلود فمرجع العطف إلى اختلاف الوصف وتغايره فكأنه وصفه أولا بأنه من جنس ما هو أشرف الأماكن المعروفة عندهم من الجنات ذات الأنهار الجارية ليميل إليها طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا تكاد تخلو عنها أماكن الدنيا وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار العليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو أعلى من ذلك كله فقال «ورضوان من الله» أي وشئ يسير من رضوانه تعالى «أكبر» إذ عليه يدور فوز كل خير وسعادة وبه يناط نيل كل شرف وسيادة ولعل عدم نظمه في سلك الوعد مع عزته في نفسه لأنه متحقق في ضمن كل موعود ولأنه مستمر في الدارين روي أنه تعالى يقول لأهل الجنة هل رضيتم فيقولون مالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا «ذلك» إشارة إلى ما سبق ذكره وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته في العظم والفخامة «هو الفوز العظيم» دون ما يعده الناس فوزا من حظوظ الدنيا فإنها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها وتكدرها ليست
(٨٣)