بالنسبة إلى أدنى شيء من نعيم الآخرة بمثابة جناح البعوض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ونعما قال من قال * تالله لو كانت الدنيا بأجمعها * تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا * ما كان من حق حر أن يدل بها فكيف وهي متاع يضمحل غدا «يا أيها النبي جاهد الكفار» أي المجاهرين منهم بالسيف «والمنافقين» بالحجة وإقامة الحدود «واغلظ عليهم» في ذلك ولا تأخذك بهم رأفة قال عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح «ومأواهم جهنم» جملة مستأنفة لبيان آجل أمرهم إثر بيان عاجله وقيل حالية «وبئس المصير» تذييل لما قبله والمخصوص بالذم محذوف «يحلفون بالله ما قالوا» استئناف لبيان ما صدر عنهم من الجرائم الموجبة لما مر من الأمر بالجهاد والغلظة عليهم ودخول جهنم روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمعه من كان منهم معه صلى الله عليه وسلم فقال الجلاس بن سويد منهم لئن كان ما يقول محمد حقا لإخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا وأشرافنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس أجل والله إن محمدا لصادق وأنت شر من الحمار فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحضر فحلف بالله ما قال فرفع عامر يده فقال اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الكاذب وتكذيب الصادق فنزل وإيثار صيغة الاستقبال في يحلفون لاستحضار الصورة أو للدلالة على تكرير الحلف وصيغة الجمع في قالوا مع أن القائل هو الجلاس للإيذان بأن بقيتهم برضاهم بقوله صاروا بمنزلة القائل «ولقد قالوا كلمة الكفر» هي ما حكى آنفا والجملة مع ما عطف عليها اعتراض «وكفروا بعد إسلامهم» أي وأظهروا ما في قلوبهم من الكفر بعد إظهارهم الإسلام «وهموا بما لم ينالوا» هو الفنك برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه توافق خمسة عشر منهم على أن يدفعوه صلى الله عليه وسلم عن راحلته إذا تسنم العقبة بالليل وكان عمار بن ياسر آخذا بخطام راحلته يقودها وحذيفة بن اليمان خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فالتفت فإذا قوم متلثمون فقال إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا وقيل هم المنافقون هموا بقتل عامر لرده على الجلاس وقيل أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بن سلول وإن لم يرض به رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما نقموا» أي وما أنكروا وما عابوا أو وما وجدوا ما يورث نقمتهم «إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله» سبحانه وتعالى وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في غاية ما يكون من ضنك العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فأثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثنى عشر ألف درهم فاستغنى والاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل أو من أعم العلل أي وما
(٨٤)