الاعتراف بذنوبهم في التخلف عن هذه المرة وتذممهم وندامتهم على ذلك وتخصيصه بالاعتراف لا يناسب الخلط لا سيما على وجه يؤذن بتوارد المختلطين وكون كل منهما مخلوطا ومخلوطا به كما يؤذن به تبديل الواو بالباء في قوله تعالى «وآخر سيئا» فإن قولك خلطت الماء باللبن يقتضي إيراد الماء على اللبن دون العكس وقولك خلطت الماء واللبن معناه إيقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا به وترك تلك الدلالة للدلالة على جعل كل منهما متصفا بالوصفين جميعا وذلك فيما نحن فيه بورود كل من العملين على الآخر مرة بعد أخرى والمراد بالعمل السيء ما صدر عنهم من الأعمال السيئة أولا وآخرا وعن الكلبي التوبة والإثم وقيل الواو بمعنى الباء كما في قولهم بعت الشاء شاة ودهما بمعنى شاة بدرهم «عسى الله أن يتوب عليهم» أي يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم «إن الله غفور رحيم» يتجاوز عن سيئات التائب ويتفضل عليه وهو تعليل لما تفيده كلمة عسى من وجوب القبول فإنها للأطماع الذي هو من أكرم الأكرمين إيجاب وأي إيجاب «خذ من أموالهم صدقة» روي أنهم لما أطلقوا قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال صلى الله عليه وسلم ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت فليست هي الصدقة المفروضة لكونها مأمورا بها ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الثلث وترك لهم الثلثين فوقع ذلك بيانا لما في صدقة من الإجمال وإنما هي كفارة لذنوبهم حسبما ينبيء عنه قوله عز وجل «تطهرهم» أي عما تلطخوا به من أوضار التخلف والتاء للخطاب والفعل مجزوم على أنه جواب للأمر وقريء بالرفع على أنه حال من ضمير المخاطب في خذ أو صفة لصدقة والتاء للخطاب أو للصدقة والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده وقريء تطهرهم من أطهره بمعنى طهره «وتزكيهم بها» بإثبات الياء وهو خبر لمبتدأ محذوف والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه أي وأنت تزكيهم بها أي تنمي بتلك الصدقة حسناتهم إلى مراتب المخلصين أو أموالهم أو تبالغ في تطهيرهم هذا على قراءة الجزم في تطهرهم وأما على قراءة الرفع فسواء جعلت التاء للخطاب أو للصدقة وكذا إذا جعلت الجملة الأولى حالا من ضمير المخاطب أو صفة للصدقة على الوجهين فالثانية عطف على الأولى حالا وصفة من غير حاجة إلى تقدير المبتدأ لتوجيه دخول الواو في الجملة الحالية «وصل عليهم» أي واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم «إن صلاتك» وقريء صلواتك مراعاة لتعدد المدعو لهم «سكن لهم» تسكن نفوسهم إليها وتطمئن قلوبهم بها ويثقون بأنه سبحانه قبل توبتهم والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم «والله سميع» يسمع ما صدر عنهم من الاعتراف بالذنب والتوبة والدعاء «عليم» بما في ضمائرهم من الندم والغم لما فرط منهم ومن الإخلاص في التوبة والدعاء أو سميع يجيب دعاءك لهم عليم بما تقتضيه الحكمة والجملة حينئذ تذييل للتعليل مقرر لمضمونه وعلى الأول تذييل لما سبق من الآيتين محقق لما فيهما
(٩٩)