للمساءة الواقعة في نفس الأمر قبل السؤال كسؤال من قال اين أبي لا عما يعمها وغيرهما مما ليس بواقع لكنه محتمل للوقوع عند المكلفين حتى يلزم التخلف في صورة عدم الوقوع وجملة الكلام أن مدلول النظم الكريم بطريق العبارة إنما هو النهي عن السؤال عن الأشياء التي يوجب إبداؤها المساءة البتة إما بأن تكون تلك الأشياء بعرضية الوقوع فتبدى عند السؤال بطريق الإنشاء عقوبة وتشديدا كما في صورة كونها من قبيل التكاليف الشاقة وإما بأن تكون واقعة في نفس الأمر قبل السؤال فتبدى عنده بطريق الإخبار بها فالتخلف ممتنع في الصورتين معا ومنشأ توهمه عدم الفرق بين المنهي عنه وبين غيره بناء على عدم امتياز ما هو موجود أو بعرضية الوجود من تلك الأشياء في نفس الأمر وما ليس كذلك عند المكلفين وملاحظتهم للكل باحتمال الوجود والعدم وفائدة هذا الإبهام الانتهاء عن السؤال عن تلك الأشياء على الإطلاق حذار إبداء المكروه «والله غفور حليم» اعتراض تذييلي مقرر لعفوه تعالى أي مبالغ في مغفرة الذنوب والإغضاء عن المعاصي ولذلك عفا عنكم ولم يؤاخذكم بعقوبة ما فرط منكم «قد سألها قوم» أي سألوا هذه المسألة لكن لا عينها بل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير «من قبلكم» متعلق بسألها «ثم أصبحوا بها» أي بسببها أو بمرجوعها «كافرين» فإن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم في أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا «ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام» رد وإبطال لما ابتدعه أهل الجاهلية حيث كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها ودرها ولا تطرد عن ماء ولا عن مرعى وكان يقول الرجل إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها وقيل كان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ومعنى ما جعل ما شرع وما وضع ولذلك عدى إلى مفعول واحد هو بحيرة وما عطف عليها ومن مزيد لتأكيد النفي فإن الجعل التكويني كما يجئ تارة متعديا إلى مفعولين وأخرى إلى واحد كذلك الجعل التشريعي يجئ مرة متعديا إلى مفعولين كما في قوله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس وأخرى إلى واحد كما في الآية الكريمة «ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب» حيث يفعلون ما يفعلون ويقولون الله أمرنا بهذا وإمامهم عمرو بن لحى فإنه أول من فعل هذه الأفاعيل الباطلة هذا شأن رؤسائهم وكبرائهم «وأكثرهم» وهم أراذلهم الذين يتبعونهم من
(٨٦)