تعميم إثر تخصيص للتأكيد ويجوز أن يراد بما قي السماوات والأرض الأعيان الموجودة فيهما وبكل شيء الأمور المتعلقة بتلك الموجودات من العوارض والأحوال التي هي من قبيل المعاني «اعلموا أن الله شديد العقاب» وعيد لمن انتهك محارمه أو أصر على ذلك وقوله تعالى «وأن الله غفور رحيم» وعد لمن حافظ على مراعاة حرماته تعالى أو أقلع عن الإنتهاك بعد تعاطيه ووجه تقديم الوعيد ظاهر «ما على الرسول إلا البلاغ» تشديد في إيجاب القيام بما أمر به أي الرسول قد أتى بما وجب عليه من التبليغ بما لا مزيد عليه وقامت عليه الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم من بعد في التفريط «والله يعلم ما تبدون وما تكتمون» فيؤاخذكم بذلك نقيرا أو قطميرا «قل لا يستوي الخبيث والطيب» حكم عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وبين جيدها قصد به الترغيب في جيد كل منها والتحذير عن رديئها وإن كان سبب النزول شريح بن ضبة البكري الذي مرت قصته في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله الخ وقيل نزل في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الخمر كانت تجارتي وإني اعتقدت من بيعها مالا فهل ينفعني من ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب وقال عطاء والحسن رضي الله عنهما الخبيث والطيب الحرام والحلال وتقديم الخبيث في الذكر للإشعار من أول الأمر بأن القصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء فيه لا في مقابله فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر كما في قوله تعالى هل يستوي الأعمى والبصير إلى غير ذلك وأما قوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لما أن صلته ملكة لصلة المفضول «ولو أعجبك كثرة الخبيث» أي وإن أسرك كثرته والخطاب لكل واحد من الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطابهم والواو لعطف الشرطية على مثلها المقدر وقيل للحال وقد مر أي لو لم تعجبك كثرة الخبيث ولو أعجبتك وكلتاهما في موقع الحال من فاعل لا يستوي أي لا يستويان كائنين على كل حال مفروض كما في قولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك أي أحسن إليه إن لم يسئ إليك وإن أساء إليك أي كائنا على كل حال مفروض وقد حذفت الأولى حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة فإن الشيء إذا تحقق مع المعارض فلأن يتحقق بدونه أولى وعلى هذا السر يدور ما في لو وأن الوصليتين من المبالغة والتأكيد وجواب لو محذوف في الجملتين لدلالة ما قبلهما عليه وسيأتي تمام
(٨٣)